ترتفع أصوات بعض المنشدين مطالبين بوجود مرجعيات دينية للمنشدين تفتيهم في بعض الأمور الملتبسة عليهم، وتوضح لهم حكمها الشرعي وما إذا كانت حلالًا أوحرامًا، مثل استخدام "الآهات” بواسطة الآلات، وحكم ترقيق الصوت في بعض الأناشيد، وذلك رغبة منهم في عدم الوقوع في الحرام. بالمقابل يرى آخرون أن الأمر ليس بهذا التعقيد وأنه واضح لا لبس فيه، مشيرين إلى أن فكرة استعانة كل منشد بعالم أو شيخ هي فكرة غير عملية، ويمكن أن تؤدي –في حال تطبيقها– إلى إضاعة وقت العلماء في أمور ثانوية، وموضحين أن المنشد يمكن أن يستفتي قلبه وأن يكون خصمًا على نفسه ويشكمها ويوقفها عن اتباع المحظورات. “الرسالة” حملت هذه التساؤلات وتوجهت بها صوب بعض المنشدين واستطلعت آراءهم فأفادوها بالتالي: مظلة موحدة بداية يوضح المنشد بندر عاشور أنه لا يعقل أن تكون هناك مرجعية دينية في الإنشاد، فالنشيد وسيلة دعوية لا أكثر. منتقدًا ما طالب به بعض المنشدين بجعل مرجعيات دينية، وقال: أن يكون أحد المشايخ مسؤولًا عن كل منشد وتعليمه وتوجيهه فهذا بحد ذاته ضياع للوقت، والنشيد ليس به شيء مخل بالأدب فهو وسيلة ترويحية وقد تكون دعوية، وذلك بالبعد عن الغناء الفاحش الماجن، وعلى المنشدين الذين يفكرون بهذا الأمر أن يجعلوا تفكيرهم منصبًا في أمور أكثر فائدة لهذا المجال. وطالب عاشور بأن يكون النشيد تحت مظلة واحدة وسقف واحد، وقال: هذا هو الحل في نظري حتى لا نرى التفرقة والمشكلات، وبصورة شخصية أتمنى من رابطة الفن الإسلامي أن تجعل النشيد تحت كنفها لكي لا يكون هناك تشتت من قبل المنشدين، فالمنشد عندما يريد أن يستفسر عن أي شيء فالرابطة هي التي ستدله وترشده وليس الشيخ الذي قد يكون متشددًا وقد يكون متساهلًا بشكل كبير، وربما يجعله مثل الغناء الذي رأينا فتوى بتحليله. وختم عاشور بالقول: من المفترض على المنشد بشكل عام أن يكون عقله مرجعًا له في جميع الأمور وليس في أمر واحد، فبعضهم بعدما ينتهي من الألبوم يقوم ويسأل الشيخ، ومثل هذا المنشد أرى أنه لا يفهم شيئًا، فإذا أراد التأكد من شيء فعليه أثناء عمله سؤال الشيخ إن كانت لديه شكوك في الموضوع، ولا يتأكد بعد أن ينتهي من عمله. فيم التعقيد؟ من جانبه يوضح الشاعر والمنشد عبدالله الحميداني أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء، ويقول: كل شي له حدود سواء كان شعرًا أو لحنًا أو إخراجًا. فالمرجعية في هذا المجال تكون على مراحل، فربما يكون المنشد خصمًا لنفسه إذا لم يقم بالرجوع إلى أي حكم شرعي. فالأنشودة تمر بعدة مراحل: المرحلة الأولى الشعر أو النص المنشد والقول الحسن، والشعر الهادف هو الوسيلة في كثير من أغراض الشعر، والشخص العاقل يرفض القول القبيح والفاحش نثرًا فما بالك شعرًا. بعد ذلك يأتي اللحن والأداء، فاللحن ليس له حدود، واللحن الجيد هو ما يلبس القصيدة ثوبها، أما الأداء فمهما كان جمال الصوت وعذوبته فالعاقل لن يتغنج بصوته كالنساء. أما المرحلة الثالثة فهي الإخراج وليس هناك ما يريب في الإخراج غير قضية الإيقاع (الدف) و (الآهات) المعزوفة وليست الصادرة عن إنسان. وهذي قد فصل فيها العلماء الأجلاء، فالإيقاع أو (الدف) صدرت فيه أكثر من فتوى تفصل في جوازه وتحريمه، وأما (الآهات) المعزوفة فهي من الأصل معزوفة بآلات موسيقية سبق من أهل العلم تحريمها. هذا يعني أن الأمر لا يستحق كل هذا التعقيد، فهو واضح جدًا وليس فيه الغموض الذي يجبرك على الرجوع إلى مفتي ربّاني تستقيه في نص شعري أو لحن أو إخراج إنشادي، مع العلم إن أي ملاحظات على أي عمل إنشادي ترى لها نقادًا من المجتمع وهذا كافي بأن مجتمعنا فيه الكثير ممن يحكمّون عقولهم. ونفى الحميداني بأن يكون للمرجع الديني للمنشدين أي فائدة، وقال: من لا يخاف الله ولا يحكّم عقله أثناء تقديم عمله لشريحة كبيرة من الناس ولا أعتقد أن علماءنا سوف يضيّعون أوقاتهم لإعطاء الملاحظات في أعمال المنشدين التي سوف تعرض عليهم ليل نهار، أما ناحية السلبيات فسوف تكون هناك سلبيات كبيرة حينما تتعدد المراجع بكثرة وتكون هناك اختلافات وتضارب في بعض الفتاوى. منشد ومغني! وبالنسبة لفتوى أحد المفتين بتحليل الغناء وأن جميع الأناشيد دون استثناء أصبحت خالية من الشوائب قال الحميداني: “الأمر ليس كذلك فحسب، فلنفرض أن هذا المفتي الذي أباح الغناء كان مرجعًا لمنشد ما، فربما نرى هذا المنشد وقد تحول إلى فنان بين عشية وضحاها، فقضية الفتوى قد تكون دليلًا على أن المرجعية في الإنشاد ليست بالأمر المهم، وأن المنشد العاقل هو خصم نفسه في كل ما يطرح و يقدّم”. وختم الحميداني بقوله: “على المنشد أن يقدم كل ما يشرّف اسمه ومستمعيه، وأن يخاف الله ويجتنب المحظورات والخطوط الحمراء، فهو ليس بحاجة لفتوى عالم في أمور قد يفتيه فيها والده أو أخيه أو صديقه بعلم منهم”. ----------------------------- عبد الغني: كثير من منشدي اليوم هم في حقيقة الأمر مغنون وبدوره يبين الشاب أيمن عبد الغني أن من المفترض على بعض المنشدين أن يستفسروا العلماء في بعض الأمور التي قد يشكوا في صحتها، وقال: ينبغي أن تكون هناك مرجعية دينية ودراسة شاملة لهذا الموضوع لكي لا يحدث التباس وسوء فهم يعطل مسيرة هذا الفن العريق ولا يضيف له شيئاً. من فوائد وجود هذه المرجعية أن يبتعد الجميع عن القيل والقال وكثرة الكلام حول الدفوف والآلات الموسيقية ووجود نوع من الغزل في كلمات بعض الأغاني فهناك تكمن الفائدة الأولى للمرجعية. وأضاف عبد الغني: النقطة الثانية هي أن احتكاك المنشد بأحد العلماء يساهم في رفع مستوى النشيد الذي بدأ يصبح مشابهاً للغناء وهذه أكبر سلبيات الموضوع. لذلك لا بد أن نهتم في الإرشاد بإبانة الموقف والنظرة الشرعية وليس فقط بالتحليل أو التحريم، لأن الإكثار في هذا الجانب يسبب تضارباً بين الاثنين وعلى المنشد سؤال العلماء والاستفسار مما يريدون منذ البداية ليطمئن قلبه. واختتم عبد الغني قائلاً: كثير من المنشدين يطالبون بهذا الأمر لكثرة الجدل واللغط في الموضوع، فنسبة كبيرة ممن ينسبون أنفسهم للمنشدين هم في حقيقة أمرهم مغنيون لأن جميع أناشيدهم عن الحب والغزل وتتخللها الموسيقى والدف وهذا هو الذي أدى إلى تدهور النشيد.