قد لا يروق هذا العنوان للغالبية العظمى من محترفي الفنون في كل مجالاتها وأطيافها وتعدد مشاربها. فالفن كما هو متداول (لا يؤكل عيش) عبارة دارجة منذ زمن؛ بل إنها تعتبر حقًّا مشاعًا لكل المنشغلين بالفن، بما فيهم الموسيقيون والغنائيون والمسرحيون، وناس الفن التشكيلي، وكل مَن له علاقة بشكل أو بآخر بالإبداع الإنساني في مجالات الفن المختلفة.. وقد ينطبق هذا التوجه على الفنون في الماضي عندما كان الفنان يجاهد بعصامية ليثبت ويقدّم نفسه من خلال ووفق قدراته وموهبته الفطرية، وبالتالي فإن الفنان سابقًا يخسر الكثير من المال والجهد والعرق ليعلن وجوده وحضوره بشكل مشرّف، ومع ذلك؛ ومع كل هذه التضحيات وتعددها نجد أن اهتمام المتلقي ليس بتلك الصورة التي يأملها الفنان، والتي تنطوي على أمل أن يعوض الفنان كل تضحياته بمداخيل مالية (من خلال المقتنى) تساعده على البقاء ومواصلة الإبداع والتجلّي؛ وبالتالي يجد الفنان نفسه في النهاية هو الخاسر الأكبر في هذه المعادلة. وفي الفن التشكيلي تبدو الحكاية أشد وقعًا خاصة إذا علمنا أن التشكيلي يخسر الكثير من المال في سبيل إعداد وتجهيز الوسائل والوسائط والأدوات المتعددة التي تستلزمها عملية الإبداع.. إلاّ أن التشكيلي أيضًا يصطدم بالمتلقي المقتني الذي يشيح بوجهه عن الأعمال الفنية المحلية الأصلية إلى الأعمال التجارية واللوحات المستوردة من شرق آسيا وغيرها في محلات (أبو ريالين)، مع احترامي للجميع هذا الوضع السائد إلى وقت قريب، إلاّ أن المعادلة ربما طرأت عليها بعض المستجدات التي تعايشت مع العصر ومعطياته المتعددة بما في ذلك أنماط الحياة والسلوكيات، وارتفاع الذائقة الجمالية وتناميها وازدهارها، وارتفاع مستوى الذوق العام لدى الشعوب والذي جاء نتاجًا طبيعيًّا لهذا الانفتاح الفضائي الذي من معطياته تعدد الثقافات بإيجابياتها وسلبياتها، والتي من خلالها يستطيع المرء أن (يفلتر) منها ما يريد!! عمومًا الفن أصبح ومن وجهة نظر شخصية أصبح (يؤكل مفاطيح) في ظل هذه النقلة النوعية في فكر وثقافة وذوق الملتقي؛ بل إننا أصبحنا نرى ونسمع ونقرأ عن بعض الأعمال الفنية، وقد تم اقتناؤها بمبالغ مالية كبيرة مشجعة، هذا على المستوى المحلي؛ أمّا على المستوى الدولي والعالمي فإن الحكاية تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات كما يحدث في صالات المزاد العالمي. لب الحكاية أن الفن متى ما وظّف بطريقة فنية وتقنية وفكرية راقية، ومعالجات تتواءم مع العصر ومعطياته وبما لا يخدش الأصالة، فإنه سوف يجد من يدفع ليقتني، وبالتالي تكون المعادلة عرضًا وطلبًا، وهذا ديدن حياة اليوم شئنا أم أبينا. لكم خالص الود ،، [email protected]