يعتقد بعض علماء السياسة أنها فن الممكن، أي فن ابتكار وسائل ممكنة لبلوغ غايات قد تبدو بعيدة المنال، فيما يرى فريق آخر أنها ببساطة فن جعل حياة الناس أفضل، أي أن السياسي يكون معنيا طوال الوقت بتحديد الأهداف وابتكار الوسائل الممكنة لجعل حياة مواطنيه أفضل، وهذا التعريف الأخير هو السائد في مجتمعات امتلكت صورة واضحة عن ذاتها، وسعت لامتلاك صورة واضحة عن الآخر، ثم راحت ترسم خطوط الالتقاء والافتراق بينها وبينه، في سياق تلك الرؤية نذكر جميعا ما قاله الرئيس الأمريكي باراك اوباما في مستهل رئاسته عن الوسائل التي سوف تتبناها إدارته وهى بصدد التعاطي مع ملفات دولية ساخنة أو شائكة، فالرجل قد تحدث عن التفاوض وبناء التحالفات كوسيلتين قال إنه لن يحيد عنهما في معالجته لكافة الملفات الدولية الساخن منها والشائك. دبلوماسية القمة هى أعلى أدوات السياسة، فهى تعكس مستوى اهتمام دولة أو مجتمع ما بقضية أو بقضايا معينة، وفي سياق هذا الاهتمام جاءت قمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الأمريكي أوباما في البيت الأبيض أمس الأول، ليفصح اللقاء بذاته عن إدراك القيادتين في الرياض وواشنطن، لأهمية العلاقات السعودية - الأمريكية التي تطورت على مدى خمس وستين سنة منذ لقاء القمة الأول بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي الأسبق فرانكاين روزفلت على متن الطرّاد الأمريكي كوينزي في مياه البحيرات المرة بقناة السويس، وحتى لقاء خادم الحرمين وأوباما في البيت الأبيض قبل يومين. في القمة الأولى قبل 65 عامًا كان ثمة إدراك واستشراف لدى القائدين لطبيعة المرحلة ولمتطلباتها فيما كانت الحرب العالمية الثانية توشك أن تضع أوزارها ممهدة الطريق لعالم تتقدم أمريكا لقيادته، كانت ثمة بداية لعلاقات ترسخت على مدى السنين، لتصبح عند اللقاء الأخير في البيت الأبيض شراكة متكافئة بين طرفين يمتلكان رؤية متجانسة لعالم اليوم، ويدرك كل منهما أن ثمة ما يسعى لتحقيقه عبر تلك العلاقات لصالح شعبه ومواطنيه، في كافة المجالات . اتسعت عناصر الشراكة السعودية- الأمريكية في السنوات الأخيرة لتشمل مجالات جديدة، مثل الحرب على الإرهاب، وحوار الأديان، والسعي لإنجاز سلام شامل ودائم في منطقة الشرق الأوسط ينهي الصراع العربي الإسرائيلي، ويسهم بدوره في الحرب ضد الإرهاب والفقر والتعصب. وقد جاءت القمة الأخيرة لتؤكد أن اتساع الشراكة يجب أن يكون دائمًا لصالح البلدين والشعبين، وليس على حساب أي منهما.