اعتدنا في مجتمعاتنا العربية على وصف الغالبية من الشعب ب « الأغلبية الصامتة» ، وهي - في الحقيقة - لم تكن « صامتة» بل « هامسة» تخاف أن تسمعها آذان الجدران، لأن المثل ( والذي يُخيّل لي أن مبتكره رجل مباحث ) يقول: « الجدران لها آذان» .. لهذا كانوا يكتفون بالهمس ! خلال العقد الماضي: عقد ثورة وسائل الاتصال وتعدّد منابر التعبير، ومع ظهور الابتكارات الساحرة، مثل: الانترنت، الجوال، الفضائيات.. علا صوت هذه « الأغلبية» حتى وإن كانت تختفي وراء « نكتة» يتم تداولها عبر رسالة جوال ولا يُعرف قائلها .. أو تختفي وراء اسم مستعار في منتدى إلكتروني. عقد من الزمان تطوّرت فيه أساليب الناس، وصارت بعض «الأسماء المستعارة» في بعض المنتديات الالكترونية أكثر شهرة من بعض الأسماء الحقيقية التي تكتب في الصحف الرسمية .. بل إنها أحياناً تحظى بقبول أكبر . صار بإمكان « الأغلبية» وعبر كاميرا الجوال أن تُوثق بعض الأحداث التي لم - ولن - تستطيع كاميرا التلفزيون الرسمي التقاطها .. و « اليوتيوب » يتكفل بعرضها للملايين دون وساطة من أحد . « الأغلبية الصامتة» لم تعد صامتة ولم تكتف بالهمس .. بل إنها صارت الأغلبية « الصارخة » . « الأغلبية» صار لها صفحة على « الفيسبوك « تطرح من خلالها ما تشاء من أفكار . « الأغلبية» صار لها عضوية في منتدى إلكتروني تستطيع من خلالها أن تشكل الرأي العام أكثر مما يفعله كاتب رسمي، أو وسيلة إعلام رسمية . « الأغلبية» صار لها قناة على « اليوتيوب» تصوّر - وتفضح - وتعرض من خلالها ما تشاء من المشاهد. وعبر « القروبات» يتشكل مجتمع مدني مصغّر يطالب بحقوقه، ويجمع الأنصار عبر رسالة إلكترونية واحدة تصل إلى الملايين بضغطة زر واحد . لم تعد « الأغلبية» تنتظر ما يقوله لها التلفزيون الرسمي أو الإذاعة الرسمية تجاه أي حدث يحدث.. بل إنها استبدلتهما بآلاف المصادر المختلفة، وصارت تختار - وتصدّق - ما تشاء من الروايات، بدلاً من الرواية الواحدة التي كان يقدمها الإعلام الرسمي . على الإعلام الرسمي العربي أن يستوعب ما يحدث حوله، فمنع كاتب من الكتابة لن يمنعه من إيصال صوته وأفكاره إلى الناس، والأفكار التي طرحت - ومنعت - قبل ألف عام ( قبل : المطبعة والإذاعة والجريدة ) استطاعت أن تصل إلى الناس وعبرت الزمن لتصل إلينا في عصرنا هذا.. فما أغبى المنع في زمن ( الانترنت والجوال والفضائيات). كيف تمنع كتاباً من النشر وأنا بإمكاني أن أرسله - كاملا ً - عبر رسالة وسائط هاتفية إلى آلاف الأشخاص؟ كيف تحجب منتدى إلكترونيا وبإمكان ولد في الثالثة عشرة من عمره اختراق حجبك ؟! كيف تمنع مشهداً من العرض والجميع بإمكانه عرضه خلال دقائق عبر الانترنت ؟ كيف تمنع « الحقيقة » من أن تصل إلى الناس ؟.. والحقيقة لا تموت، وستصل ذات يوم ! طرحي لهذه الأسئلة يجعلك تشعر أن « الإعلام الرسمي» يعيش خارج الزمن.. خارج التاريخ - وهذه هي الحقيقة - وأنه لم يستوعب ما يحدث حوله . على الإعلام الرسمي العربي، ومن ورائه أصحاب القرار في العواصم العربية، أن يستوعبوا هذا العصر، وأن يكونوا جزءا منه، وبدلاً من الانشغال بالمحاولات العقيمة لمجابهته عبر طرقهم البدائية.. عليهم أن يستقبلوه ويقبلوه ويتعلموا كيفية التعامل معه . وتذكروا: الأغلبية الصامتة صارت « الأغلبية الصارخة» وهي تتشكل ك « شعب افتراضي» على شاشات الانترنت بطريقة لم ولن تتخيلوا مداها وقوتها، ولم ولن تتنبأوا كيف سيتطوّر هذا « الشعب الافتراضي» وما هي خطوته القادمة ! المخيف - وفي لحظة تاريخية ما - يخرج هذا « الشعب الافتراضي» من شاشة الكمبيوتر لينزل فجأة إلى الشارع !! على فكرة : « نشرات الأخبار» في التلفزيونات الرسمية لا يتابعها أحد.. هذه حقيقة! لذلك أقترح على وزراء الإعلام العرب إلغاء نشرة الأخبار وفصل المذيعين وتوفير مرتباتهم لميزانية الدولة.. أو تحويلهم لبرامج المسابقات ! [email protected]