ما الذي يجري؟ وما الذي يحصل في هذا العالم الذي يلجأ أفراده إلى بيع ذممهم، وشرفهم، وحرياتهم من أجل المادة؟! والغريب أنَّ من بين أولئك من هم ليسوا بحاجة إلى السرقة، أو أخذ رشوة، أو اللجوء إلى النصب والاحتيال، بالنظر لمراكزهم الوظيفية أو الاجتماعية أو المالية، لكن المرض والجشع هو من جعلهم يفعلون ذلك. ومع كل ما سمعت، وما قرأت من سرقات، لم أصدق أنني سأصادف في يوم من الأيام لصوصاً يسرقون «حديد جسور المسعى» .. ألا يخافون من الله ؟! وقد استغربت كثيراً من التصريح الذي أدلى به أمين العاصمة المقدسة لهذه الصحيفة والذي تضمن دفعه الاتهامات التي وجهت لموظفي الأمانة بالتورط في تلك السرقة، وكذلك إخلائه مسؤولية الأمانة عن هذه السرقة، وهذا لا يعني أنني أتهم أحداً، فالأمر قد تبين، وحصحص الحق، ولكن دعونا نوظف علم «المنطق» في هكذا مسألة، ونسأل أمين العاصمة المقدسة.. كيف يُفسر نقل 200 شاحنة لنقل أعمدة جسور وكمرات حديد وكباري حديد عائدة لجسر المسعى ومشعر مزدلفة ويُتوجه بها إلى مدينة جدة دون أن تشعر «دوريات الأمانة» بهذه السرقة التي من المؤكد أنها لم تتم في يوم وليلة، بل تمت في ليالي وأيام ؟ وما الثغرة التي رأى - كما قال - أنها استغلها اللصوص ؟! يقول أمين العاصمة في تصريحه ذاك «بأنه لايزال هناك حديد بعضه في مناطق حمى المشاعر وبعضها أمام مستشفى النور على أراضٍ تابعة لوزارة الشؤون البلدية والقروية وأن بعضها قد مر عليها عقود» والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا تقوم الأمانة بعرض تلك الكتل الضخمة للبيع بالمزاد العلني إذا كانت لم تعد بحاجة لها، بدلاً من إشغال مساحات أراضي الوزارة بها ولكيلا تمتد إليها أيادي اللصوص بعيداً عن أعين دوريات الأمانة ؟! والمثل يقول « المال السايب يشجع على السرقة ». كثرت الاتهامات، وطالت االعديد من الأسماء، وكذلك الرموز، وبلغ عدد من تم استدعاؤهم 31 متهماً، لكن الحقيقة تظل في أروقة المحاكم، ولدى الجهات الأمنية التي تضرب طوقاً من التعتيم بُغية الحفاظ على سمعة أولئك اللصوص الذين لم يُراعوا قدسية المكان ومحتويات المشاعر. ولا أجد مبرراً أمام الجهات الأمنية في عدم الإفصاح عن أسماء أولئك، كما لم أجد حاجة إلى نشر صور اللصوص ومروجي المخدرات وصانعي الخمور والمزورين في وسائل الإعلام المختلفة وقد تم تصويرهم من الخلف، فهل يستحق أولئك إلى هذه اللمسة الحانية لكيلا يتعرف عليهم المجتمع ويحتاط منهم؟! إن بقينا على هذه الحال في مسألة التستر، فإن معدلات الجريمة ستزداد لأن المجتمع لا يرى وسائل ردع قاسية تتفق مع مستوى الجرم، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) فماذا نحن فاعلون بالذين تثبتت عليهم سرقة حديد المسعى ومشعر مزدلفة؟!