كتب الكثيرون وستستمر الكتابة عن مآثر فقيد الوطن الشيخ أحمد صلاح جمجوم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وكل محبيه الصبر والسلوان. ومن الكم الكبير من رسائل الرثاء على صفحات الجرائد وشبكة الانترنت يتضح أن الفقيد من الذين ينطبق عليهم القول: من أحبه الله أحبه الناس. والشيخ أحمد جمجوم من جيل تميز بالعصامية والأمانة والإخلاص والصدق مع نفسه ومع الغير، ولهذا اختير لتولي عدد من المناصب الوزارية والقيادية في فترات متفرقة منها منصب مدير عام الخطوط السعودية حيث كانت المؤسسة تمر بمرحلة انتقالية وحساسة في نفس الوقت عندما قرر الأمير سلطان بن عبد العزيز بفطنته الثاقبة وحرصه على التأسيس الصحيح لصناعة النقل الجوي استدعاء الشيخ أحمد جمجوم أخذاً بحكمة تكليف الرجل المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. و بعد فترة وجيزة وضع الشيخ أحمد بصماته على أعمال المؤسسة في تلك المرحلة الحساسة وأبلغ ما يعبر عن توجهاته لإدارة الخطوط في ذلك الوقت ما ورد في كتاب ( من الجمل للطيارة ) للمرحوم السيد حمزة الدباغ الذي أدين له بالفضل لتعريفي بالشيخ أحمد صلاح جمجوم. والنص التالي من كلمة خاطب بها الخريجين من معهد التدريب في ذلك الوقت: »إن أهم نتيجة نجنيها من العلم والدراسة هي خلق عادات عمل جديدة، عادات تمدنا بالعزم والقوة والشعور بالمسؤولية، لنتغلب على تلك الصعاب التي تكتنف أعمالنا، وتجعلنا نتخلص من السلبية البغيضة في العمل، والتي أورثتنا شيئا من اللامبالاة وجعلتنا نغط في سبات عميق فترة(17) سنة، سلمنا زمام شؤون المؤسسة خلالها إلى بعض الشركات الأجنبية التي كانت تستغلنا أبشع استغلال بسبب اضطرارنا إلى استيراد الخبرات الأجنبية وبسبب نقصها لدينا» هذه عبارات قالها الشيخ أحمد صلاح جمجوم قبل نصف قرن من الزمن ألهب بها في ذلك الوقت حماس العاملين في المؤسسة، وغيَّر نظرتهم للعمل، وحثهم على التفاني في مهماتهم. والمتمعن في سير الأمور في الوقت الراهن يسأل كم نحن بحاجة لمثل ذلك الصنف من الرجال التنفيذيين الذين أحدثوا نقلات نوعية بأسلوبهم القيادي الذي حفز القوى العاملة وأوقد فيهم حب العمل والإخلاص في أداء الواجب. وأذكر أيضا عندما كنت أتجاذب الحديث مع المرحوم وهيب بن زقر، وسألته عن انطباعاته عن بعض الشخصيات المرموقة التي أتيح لها تولي مناصب وزارية ومن بعد انتقلت إلى القطاع الخاص وكان جوابه: أحمد صلاح جمجوم الوحيد الذي»لعبها صح» حيث كان هناك من بدأ معه في نفس الوقت ونفس الظروف ولكن الشيخ أحمد يكاد يكون الوحيد من جيله الذي «لعبها صح» ولا نزكي على الله أحدا. ومن الكم الهائل من كلمات الرثاء التي قيلت عن المرحوم أحمد صلاح جمجوم من الذين عاصروه عن قرب يتضح أن مدرسته الإدارية، وسلوكه المستقيم، وأعماله الخيرية، ومبادراته الفعالة في القطاعين العام والخاص، خير شاهد على استقامته وأمانته وإخلاصه وحبه للخير رحمه الله رحمة الأبرار وجزاه الله عن أفعاله الخيرة خير الجزاء.