راشيل كوري شابة امريكية امتلأ قلبها بالانسانية، غاضها ما في غزة من حصار وتجويع وهتيل، وظلم لا يطيقه قلب انسان، فغادرت الحياة الامريكية ذات الرفاهية في العيش الى غزة، حيث اهدار كل كرامة للانسان، وهناك دافعت عن حقوق الانسان المحاصر الذي لا تربطها به سوى روابط الانسانية، وكان مصيرها الموت تحت مجنزرات جرافة اسرائيلية اثناء محاولتها الحيلولة دون هدم احد البيوت في رفح عام 2003م. كادت بطولة (راشيل كوري) تنسى امام التعتيم الاعلامي الصهيوني الذي جعل من الجندي (جلعاد) قضية كبرى وهو اسير، وعتم على بطولة هذه الفتاة التي قدمت دمها فداء لإحقاق حق، وجودُها بنفسها اقصى غاية الجود، لكن الله اراد لهذه البطلة علواً في موتها كما كتب لها علواً في حياتها، ففي اساطيل الحرية الاخيرة التي اعتدى عليها قراصنة اسرائيل في المياه الدولية وهي تحمل الغذاء والدواء لمحاصري غزة اختار المتضامنون الايرلنديون للسفينة التي ركبوها اسم تلك الشابةالامريكية، فاعادوا لها العلو بعد مماتها، وراحت الفضائيات تعرض وجهها مضرجاً بالدماء بعدما دهستها الجرافة الاسرائيلية دون مراعاة لحقوق الانسان، ولا لحقوق المرأة، ولا للمواجهة السلمية منها، فالقلب الاسرائيلي الذي نشأ وعاش على الدماء لا تحرك له الدماء السائلة ذرة من رحمة، لكن وجه تلك البطلة (وقد غطي بالدماء) كان اجمل من وجه كل امرأة زينت وجهها بكل اصباغ الدنيا، فكانت (راشيل كوري) رمزاً للانسانية، ورمزاً للحرية حية وميتة، ورمزاً للانسان الذي لا تعمي عينيه الدعايات الكاذبة، ولا يصده عن الدفاع عن حق الانسان في الحياة سحقه تحت الجنازير. وشطر البيت الذي وضعته عنواناً لهذا المقال ذكرني به العمل البطولي الانساني من (راشيل كوري) وهو ظلم وقع في العصر العباسي من وزير فارسي هو عضد الدولة البويهي (ت 372ه) وقد كان ابن بَقِيَّة وزيراً جواداً سابقاً في بغداد، وقد عزل من الوزارة وسُملت عيناه فلزم بيته، فلما حكم عضد الدولة طلبه من (واسط) والقاه تحت ارجل الفيلة حتى مات ثم صلبه في بغداد، ولم يزل مصلوباً الى ان توفي عضد الدولة فأُنزل ودفن، وعند صلبه رثاه صديقه ابن الانباري (ت 390ه) بقصيدته المشهورة: علو في الحياة وفي الممات بحق انت احدى المعجزات مددت يديك نحوهم احتفاء كمدهما اليهم بالهبات وهكذا كانت (راشيل كوري) علت في الحياة ببذل الروح في سبيل الانسان، وعلت بعد موتها باعادة بطولتها للاذهان بإحياء اسطول الحرية لها، وهي سابقة وهم مقتدون بها، وكلهم رموز للحرية.