لدينا في السعودية بوادر إصلاح فكري، يختلف كليًا عن النمط التقليدي القديم، وينطلق من منطلقات شرعية ونهضوية جادة. بدأ هذا النمط يظهر في الآونة الأخيرة ويشق طريقه بوضوح، ويؤسس لمدرسة إصلاحية نهضوية وتنموية، ويجتذب نحوه فئات عمرية شبابية، تجتمع فيهم خصال عديدة أهمها: التأسيس الشرعي، والبناء الفكري، والقدرة التحليلية، والانضباط المتعقل في تحليل الأحداث، مع إطلاع واسع على المناهج الحديثة والمدارس الإصلاحية المختلفة، وهي في تقدم مستمر، وتواصل مع الكتب والمفكرين واللقاءات والندوات والمؤتمرات الفكرية، ولديهم نهم لا ينقطع في تلمس رؤية نهضوية إصلاحية تصوغ نشاطهم الدائب، لتأسيس تيار يختلف عن معظم التيارات الإصلاحية التي ظهرت على الساحة السعودية. سوف تشهد الساحة السعودية ولادة هذا التيار الهادئ نسبيًا، وهو تيار يضم إلى صفوفه نهضويين ذوي مشارب مختلفة في فكر النهضة، فالإصلاح لديهم لا يقتصر على تحديث الوعي الديني أو الإصلاح السياسي. والأهم في تيار الإصلاح الجديد: مقدرته على استيعاب المواقع الفكرية المختلفة في إطار كلي مشترك مع التركيز على أولويات نهضوية يتفق عليها من يقصد الخروج من مصيدة الأصالة والحداثة. هذا التيار الإصلاحي النهضوي لا يقدم الوسائل على الغايات، ويملك دقة تحديد واقعه مع الواقعية الشرعية التي لا تتعالى عن المكان والزمان. في حركة الإصلاح المقبلة لن تتعثر الغايات بسبب بعض المفاسد التي تلتحق بالوسائل عادة أو لا تنفك عنها، ولن تستعمل قواعد الشريعة العامة من دون استتمام المعرفة الدقيقة بكل الملابسات التي تحيط بالواقع، ولن يتقبل الشباب فتاوى العلماء لمجرد وهمهم بالمفسدة، ولن ترضى رموز الإصلاح الجديدة اختيار نصوص الشريعة من دون أدوات منهجية مطورة في رصد أو تحليل العالم الجديد. • أستاذ أصول الفقه المساعد بكلية الشريعة بجامعة الإمام