إلى أي مدى يخترق الانترنت خصوصية الفرد؟ وإلى أي مدى يهدد الإنترنت سلم المجتمع؟ بداية لا بد من الاعتراف بأن هذا الاختراع العجيب قد غيّر من حياة الناس تماماً، فلم يعد من السهل على معظم الناس الابتعاد كلياً عنه لفترة طويلة، بل إن البرمجيات والتطورات المتسارعة تسهم في ربط الإنسان بالشبكة باستمرار خاصة فيما يتعلق باتصالاته الشخصية مع الآخرين. اليوم بات الطعام والشراب أولاً ثم الانترنت ثانياً... ربما سبق الحاجة إلى النوم والراحة أحياناً. ولعل أول إغراءاته أو أهمها هو تجدد المعلومة باستمرار، ثم شموليتها بصورة غير مسبوقة، وإن كانت مهمة التمييز بين جودتها وموثوقيتها ليست سهلة عموماً. وأما اختراق الخصوصية فوارد جداً، ويتطلب حذراً متواصلاً حتى عبر المواقع الشهيرة التي تُعد آمنة وموثوقة، خذوا مثلاً موقع فيس بوك، وما يمكن نقله من صور معيبة عن شخص صالح لمجرد أن أحدهم التقط صورة ذلكم (الصالح) وأدخل عليها من التزوير والمؤثرات البصرية والصوتية ليحيلها إلى شخصية سيئة الذكر بغيضة السمعة. وأسهل من ذلك نشر الأخبار الكاذبة عن موت فلان أو مرض علان، وربما اتهام زيد أو تجريم عبيد، وكلاهما بريء. وأما تهديد المجتمع فقضية أخرى تبدأ بنشر معلومات صحيحة عن أسلحة خطيرة أو ممارسات محظورة أخلاقياً وأمنيا. اليوم يمكن لأي هاو الاطلاع على كيفية تصنيع متفجرات محلية من مواد بسيطة متوفرة في الأسواق، ويمكن شراء أدوية خطرة يُعاد بيعها كالمنشطات الجنسية أو الجسدية. ومؤخراً نشر أحدهم في دولة أوروبية معلومات عن كيفية سرقة بعض المنازل في أحياء معينة، موضحاً المداخل والمخارج وأوقات تغيب أصحاب الدار مما سهل فعلاً بعض السرقات. والإرهابيون لا يتأخرون عن تطويع التقنية لخدمة أهدافهم المرعبة وأغراضهم الدنيئة. كل ذلك يجري في عالم افتراضي هائل الحجم عظيم الأبعاد، لاعبوه كثر، واستثماراته ضخمة، له مئات الملايين من العملاء الذين يؤثرون فيه وبه يتأثرون. وستستمر التحذيرات تترى لكن دون جدوى، فهذا الاكتشاف الباهر اختصر الزمان وقلص المسافات وربط بين أفكار الناس ومشاعرهم وأحلامهم وآمالهم وآلامهم، وحتى سفاهتهم وصفاقتهم.