ليس هناك خطر يتهدد الدول والمجتمعات مثل خطر استشراء الفساد . خطورة الفساد تتمثل في أنه سرعان ما يفرز مؤسسة أخطبوطية خاصة به . هذه المؤسسة تتميز بيدها الطائلة والقادرة على الوصول إلى أي مكان . وعندما يتمدد الفساد إلى هذا الحجم فإن القانون يفقد الفاعلية المطلوبة ليصبح الفساد بقيمه وقوانينه هو شريعة المتعاملين . الآثار السلبية المباشرة والملموسة للفساد هي آثار اقتصادية واجتماعية تتجسد في نهب وإهدار المال العام ، وإساءة توزيع الثروة مما يساهم في وجود هوة سحيقة بين طبقات المجتمع . وبالطبع فإن وجود مثل هذه الهوة يعتبر مصدرا من مصادر القلق التي تتهدد السلام الاجتماعي وتتسبب في زيادة معدلات الجريمة والانحراف بكافة أشكاله. أما الآثار الأكثر عمقا فتتمثل في خلق مجتمع يتميز بعدم تكافؤ الفرص . وهذا النوع من المجتمعات لا يحفل بالكفاءة الحقيقية للفرد بقدر ما يهتم بأمور وشروط أخرى مثل النفوذ أو المال . المشكلة أن الكثيرين يحصرون الفساد في الرشوة ونهب المال العام فقط ، وهذا خطأ كبير جدا . الفساد ينعكس من خلال العديد من المظاهر الأخرى وعلى رأسها استغلال النفوذ ، والواسطة ، والمحسوبية ، والبيروقراطية .. إلخ إلخ الكارثة أن الفساد يتحوّل بمرور الوقت من ظاهرة عامة إلى ثقافة عامة . وهو ما يحدث عندما يتقبّل المجتمع القوانين الخاصة بالفساد وينظر إليها باعتبارها أمرا عاديا لا يستحق الوقوف أمامه أو الانتباه إليه . وقد يتجاوز المجتمع كل الاعتبارات الأخلاقية فينظر إلى الفاسدين بتسامح أو بلا مبالاة ، وقد ينظر إليهم في بعض الأحيان باعتبارهم رموزا للشطارة والفهلوة وربما النجاح . ولعل ما يساهم في ترسيخ تلك النظرة الاجتماعية هي تلك اللامبالاة التي تظهرها الجهات والفئات المنوط بها تقويم المجتمع . ويأتي على رأس هؤلاء بكل تأكيد علماء الدين من المشايخ والواعظين أصحاب الجماهيرية العالية بالإضافة إلى الكتّاب الذين يمتلكون منابر إعلامية ثابتة تتميّز بقدرتها على التأثير في الرأي العام . ولعل الساحة الثقافية السعودية وما يدور من سجالات داخل أروقتها ، هي خير مثال على اللامبالاة التي تواجه بها قضية الفساد مقابل مسائل هامشية أخرى كانت ولا تزال مادة للجدل الذي يبدو أنه لن ينتهي . لقد نجحت مؤسسة الفساد في تحويل الفساد إلى ثقافة عامة .