الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين وبعد: فإن المتأمل في الساحة الشرعية والثقافية يجد الجدال المستمر إعلاميًا (مرئيًا أو مقروءًا)، سواء ذلك الجدال المهذب أو الجدال المزعج، وهذا ما يعكر صفو المجتمع الآمن والمحافظ الذي تربى على القول الواحد، يصدر من الراسخين في العلم من أبناء الأمة الإسلامية. قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)، فإذا كان الله سبحانه وتعالى خاطب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه كان أميًا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا كنت تدري ما الإيمان، ثم أخبره أنه هو الذي امتن عليه بالرسالة فقال: ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا، فمن باب أولى أنت أيها العالِم، يا من كنت جاهلًا ما كنت تدرى ما العلم ولا المعرفة، فهداك الله واصطفاك لتكون من يبلغ دينه وينشر شريعته في الأمة، حري بك أن تحمد الله سبحانه وتعالى ولا تشتتَ الأمة بذكر الآراء النادرة والآراء الشاذة، أو المستحدثة المغطاة باسم المصالح والمقاصد الشرعية. إن الجدال المستمر منكم أيها العلماء بوابةُ خطرٍ في عدم التقبل منكم لاحقًا على أبعد تقدير، وما تفعلونه معول هدمٍ للأمة ليس في صالحها، خاصة وأنكم تتحدثون في فرعيات من فروع الدين، وما المانع أن يخدم المجتمع القول الواحد بدل ذكر جميع الأقوال، المتعارضة والمتضادة في بعض الأحيان. وقد نبه الدكتور عبدالله المهند في مقال له بهذا الخطر الداهم فكتب تحت عنوان "قصة القيم السعودية المنهارة”: (في تلك الأيام القريبة العهد، كانت المواقف والفتاوى الشرعية الصادرة من هذه البلاد مرجعًا علميًا معتبرًا ومعتمدًا للناس في الخارجِ، وكانت الاستفتاءات تردُ إليها من كل حدبٍ وصوبٍ، كان الموقف الشرعي في السعودية له أثرٌ بالغٌ لدى المسلمين في المشرق والمغرب، حتى الجاليات في البلاد الغربية والمراكز الإسلامية هناك، كان الموقف هنا يعني لهم الكثير، حتى فيما يتعلق بدخول شهر رمضان وخروجه. لم تكن فتاوى مؤسسة الإفتاء فقط تحظى بالاحترامِ، بل حتى الدعاة الذين يزورون المراكز الإسلامية في الخارج، كان لقدومهم من السعودية ثقل ووزنٌ، وإن لم تكن أسماؤهم معروفة، لكن كان اسم السعودية يعني نسبةً عالية من الثقة والأمان). فوالله ما تغيرت هذه الحال إلا بعد أن أصبحنا مشتتِين للأذهان، بعد أن كنا نقدم للأمة قولًا واحدًا يقودها إلى بر الأمان، وما إن دخلنا في الجدال وذكر شواذ الأقوال في الصحف والمجلات والمنتديات حتى فقدنا هذه الإمامة، وقيادة التوحد ونبذ الفرقة. يا أيها المثقفون ما كنتم تدرون ما الكتابة وما الثقافة، وما إن يسر لكم ربكم أن تستزيدوا من العلم والمعرفة والإطلاع الواسع، حتى أصبحتم تشكِكُون في بعض المسلمات الشرعية، سواء بحسن نية أو بسوء طوية، ليس ذلك من زكاة العلم في شيء، فطرح المستخبثات والمشتتِات للأذهان داء عضال وقتل للأمة بالقيل والقال، وما نشاهده في الصحف خير شاهد على ذلك، أسأل الله لكم الهداية والانقياد للحق كما كنتم من قبل. • مشرف شبكة ومنتديات صدى شباب