في قاع تهامة ووراء جبالها الصلدة وأوديتها السحيقة يعلو «صوت المأساة»؛ حيث تعيش زرعة بنت محمد علي عسيري -75 عاما- أو ما يطلق عليها ذات السلاسل.. أسيرة المرض النفسي الذي داهمها وجعلها تهيم عارية في الأودية والوهاد. يداها مملوءتان بالأحجار كى تحمي نفسها ممن يعاديها.. لا تبالي كثيرا بالصغار بمن يرشقونها ليلا ونهارا؛ تعجبا من هذه المرأة المكبلة بالحديد والقابعة تحت العشة الشجرية(المهللة). رحلة الوصول إلى «زرعة ذات السلاسل» يحتاج لجهد جهيد؛ فالمنطقة التي تقطنها منعزلة غرب منطقة عسير(120) كم منها(50) كم طرقًا ترابية وجبالًا شاهقة وجروفًا عظيمة عبارة عن صخور من الجلاميد الصخرية المبعثرة. قصص وروايات تحكي عن «زرعة»، حيث عرف عنها الركض وراء الأغنام ومكابدة لقمة العيش بالعناء والشقاء وصداقة الشمس وحرارتها في النهار والنوم في العراء بلا غطاء بلا لحاف فى الليل، هذا ما أجمع عليه من عرف(زرعة) من قومها وعشيرتها قبل 30 عامًا، كل من التقينا به يسطر لنا حكايات عن هذه المرأة الجليلة.. خاصة من كبار السن الذين عاشوا معها وعرفوها. يقول محمد علي حسن عسيري -ابن زرعة- عن أسباب تقييد الأم بالسلاسل هل هو عقوق، أم بر فقال؟: «ذهبت بأمي إلى المصحات النفسية في (أبو عريش وأبها والطائف)، ولم أستطع علاجها لديهم، فمن هذه المصحات من يعطينا علاجا وترفض بلعه ومنهم من يقول لا ينفع معها أي علاج.. أخرجوها ورفضوا أن تبقى في مستشفى الصحة النفسية، نظرًا لشكواهم من شراستها وأذيتها لهم.. شكوت للمستشفيات النفسية أنها عذبتني بهروبها للجبال، وإشعال النيران في الأودية فلم أجد أحدًا يسمع مني شيئًا، ولم أجد أي وسيلة إلا كما تلاحظ ( قيدتها) بهذه السلسلة، حتى لا تؤذي احدًا ونقوم بمراقبتها، بالرغم من أنها احيانًا تقطع هذه السلسلة، وتهرب.. اضطررتُ أن أستخدم سلسلة قوية كي لا تقطعها.. !! والدتي.. لم يزعجها شيء إلا المتطفلون على حياتها.. فما يكاد أحد يقترب منها إلا وتقفز عليه لترشقه بالحجارة بقوة كبيرة.. وهذا ما حدث لنا عندما شاهدناها، لقد أمطرت علينا أحجارًا كثيرة، وكانت العناية الإلهية تنقذنا منها.. لوحت علينا ألا نقرب منها.. وما هي إلا لحظات إلا وانهمرت عيناها دموعًا.. ترى ماذا مصيرها وهي في هذه الحالة.. !! ويستطرد ابنها قائلًا: بجهود قليلة.. أردت تطوير عشتها لبناء غرفة صغيرة لها معظم مالها دين علي.. أريد أن أبر بها.. ولكن للفقر والبؤس لم أستطع تقديم لها شيء.. بالإضافة إلى أنها أصبحت متوحشة، وأخاف على الناس والأطفال منها لا تؤذيها؛ فماذا أعمل كي أحافظ على والدتي، وأنا أحيانًا أذهب بغنمي للراعي ثم أرجع أقدم لها الأكل والماء، فهي كما تلاحظ تعري نفسها من الثياب وتعبث بها.. يصرف لوالدتي من التأهيل الشامل مبلغ (5000) ريال سنويًا، وعندما راجعت التأهيل في أبها طلب مني حضورها، فقلت حالتها سيئة ولا تستطيع أن تركب في السيارة، لكن أصروا لبحث حالتها وتحديث معلوماتها اضطررت لتكتيفها وجئت بها إلى مركز التأهيل، وشاهدوها في السيارة ثم قالوا خلاص تأكدنا منها وسوف نحدث بياناتها! وهي تحمل سجلا وملفا في التأهيل الشامل بأبها.. !! فهل من حل غير ما فعلت فبالله دلوني ماذا أعمل..؟ الاجتماعية : باحثون للوقوف على حالة «زرعة» والتأكد من طبيعة المرض النفسي مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة عسير سعيد بن موسى الشهراني قال إن جهل بعض الأسر بطبيعة الأمراض النفسية وأمراض الشيخوخة وعدم استيعابها والصبر عليها يؤدى الى تردي حالتهم وبلوغهم مرحلة يصعب معها العلاج واقترح الشهراني تشكيل لجنة من الشؤون الصحية والشؤون الاجتماعية للنظر في حالة «زرعة عسيري» من الناحية النفسية للتأكد هل تعاني من أمراض نفسية تستحق الإلحاق بمستشفى الصحة النفسية أو تعاني من كبر السن والهرم وتحتاج إلى رعاية اجتماعية ونحن لدينا تعليمات ما زاد عمره على (45) عاماً إلى دار الرعاية ولكن لا بد ان تعالج في الصحة النفسية حتى تهدأ حالتها ويستقر وضعها .. وبعد الاستقرار فتدخل الدار وبالنسبة للحالات .. التي يتم قبولها بدور الرعاية الاجتماعية للمسنين هي «المسنون الذين لا عائل لهم ولا يستطيعون القيام بشؤون أنفسهم ولا يوجد من يتولى أمرهم، والمسنون المصابون بعجز بدني أو عقلي أقعدهم عن العمل أو أفقدهم القدرة على رعاية أنفسهم ، و المسنون الذين لا عائل لهم ويحالون من مستشفيات وزارة الصحة ، على ان يثبت الفحص الطبي خلوهم من الأمراض المعدية والنفسية التي تمثل خطرا على باقي المقيمين بالدار. طبيب نفسي: مرضى الهستيريا والوسواس القهري ليسوا “مجانين“ الدكتور عبدالله عبدالرحمن الغامدي أخصائي نفسي قال أولاً أنا أرفض الخلط في تفسير المصطلحات النفسية مثل الظن بأن المصاب ب «هستيريا، أو وسواس قهري» مجنون، بل هي اضطرابات نفسية تختلف تمامًا عن الاضطرابات العقلية أو الذهنية. وقال إن الاضطرابات ليست مرضًا. ويمكن تقسيمها إلى قسمين الأول يكون نتيجة التعرّض لمواقف لا يستطيع التكيف معها، أو نتيجة اضطرابات عضوية مثل التخلّف العقلي والصرع والشيخوخة والثاني: والأشد خطرًا فهو الاضطرابات السلوكية مثل الشخصية المدمنة، والشخصية المنحرفة. وإنني أطالب بتوفير المتخصصين علميًّا وعمليًّا في مجال رعاية الفئات المضربة، مؤكدًا أهمية دور الإعلام في إزالة الفجوة القائمة بين الناس والمستشفيات النفسية والعلاج النفسي. ويقول لقد أسهم الإعلام في تقديم صورة مشوّهة لهؤلاء من خلال الأعمال الدرامية عن المريض نفسيًّا وحتى المعالج. الوادعي: الكادر الطبي ب“النفسية” كافٍ والتربيط من أشكال الحماية مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة عسير الدكتور عبدالله بن محمد الوادعي أن المريضة «زرعة» تراجع مستشفى الصحة النفسية بأبها برقم وتم تشخيص حالتها «اضطراب وجداني من نوع الهوس» ويتم معالجتها وفق الأصول الطبية المتعارف عليها والمستشفى على استعداد لاستقبالها في أي وقت وعلاجها علما أنه سبق أن أحضرت للمستشفى عن طريق ابنها وتقرر دخولها من قبل الفريق المعالج ولكن ابنها رفض دخولها المستشفى وأعطيت العلاج اللازم بالرغم من حاجتها للتنويم وطلب ابنها تقريرا طبيا لتقديمه للشؤون الاجتماعية ولم تراجع المستشفى حتى تاريخه. وعن استخدام العنف في مستشفى الصحة النفسية بأبها وتربيط المرضى قال الدكتور الوادعي التربيط المتعارف عليه في الطب النفسي يستخدم بطرق مقننة وتحت إشراف طبي دقيق وله أوقات معينة وذلك كعلاج سلوكي في حالة وجود خطورة من المريض على نفسه أو على الآخرين والأربطة تكون مصنوعة من الأقمشة والمطاط التي لا تؤذي أطراف المريض ويسهل تحريكها والتحكم بها إضافة إلى وجود العلاج النفسي الدوائي الذي يهدئ المريض ويعالج الأعراض النشطة علماً أنه يتوفر بالمستشفى غرف عزل لحالات الهياج وعن الكادر الطبي بنفسية أبها قال الوادعي انه كافٍ جدًا، حيث يوجد (22) طبيبًا. وأمّا ما يتردد عن سوء معاملة المرضى، فهذا الكلام عارٍ من الصحة تمامًا، وإننا لن نسمح لأحد أن يسيء لهذه الفئة التي تحتاج إلى عناية خاصة.. أمّا تأخّر البدء في مبنى المستشفى الجديد فيرجع إلى عدم تسلّم الأرض المخصصة له، نظرًا لوجود تعديات عليها من المواطنين. ونؤكد لكم بأنه قد تم الإعلان عن استئجار مبنى بديل للقائم حاليًّا، وشكلت لجنة لدراسة المواقع المعروضة لاختيار المناسب.