على الرغم من أن معدل السمنة في الولاياتالمتحدة يعتبر هو الأعلى على مستوى العالم، فإن السينما والمسلسلات التلفزيونية الأمريكية تكاد تكون شبه خالية من ظهور الشخصيات البدينة. الرشاقة في استوديوهات أمريكا أهم ألف مرة من موهبة التمثيل، وجمال النساء، ووسامة الرجال هي العوامل المطلوب توفرها في الممثل قبل أي شيء آخر. في السينما والمسلسلات الأمريكية يبدو كل شيء، بما في ذلك البشر، أقرب إلى الكمال. حتى التكوين الجسدي للممثلات والممثلين يبدو خاليًا من العيوب ممّا يفقده بشريته.. فالنساء لا تعاني من وجود جرام لحم واحد زائد عن المعايير الهوليوودية المعتمدة للوزن المثالي.. أمّا الرجال فإنهم يبدون جميعًا وكأنهم من لاعبي كرة القدم الذين يتوافرون على قوام رياضي مثالي. طبعًا فإن السبب في ذلك يعود إلى أن صناع السينما في أمريكا كانوا ولا زالوا ينظرون إلى السينما بوصفها أداة دعائية لا فنًّا يتحيز للإنسان، ويتضامن مع معاناته، كما هو الحال مع الفنون الأخرى. السينما والمسلسلات التلفزيونية الأمريكية استخدمتا للترويج لفكرة الحلم الأمريكي. وهي فكرة لاقت الكثير من الرواج على صعيد معظم دول العالم إبان الحرب الباردة، وبعدها بفضل السينما الأمريكية أولاً ثم المسلسلات التلفزيونية الطويلة التي دخلت على الخط بقوة منذ بداية عصر الانفتاح الإعلامي العالمي التي رافقت ثورة الاتصالات والأقمار الاصطناعية. وعلى هذا الأساس فإن الدراما بنوعيها السينمائي والتلفزيوني في أمريكا لا تعكس في الغالب الواقع الصعب الذي يعيشه المواطن الأمريكي، بل إنها تسعى بدلاً من ذلك لتقديم صورة وردية عن ذلك الواقع بغية إقناع العالم بأن أمريكا هي جنة الله، وأرض الأحلام التي توفر السعادة والرفاهية لكل أبناء البشر. وعلى الرغم من أن السينما الأمريكية تقدّم أعمالاً استثنائية بين الفترة والأخرى، إلاّ أن الطابع الرئيس للسينما هناك ما يزال يدور في إطار الدعاية غير المباشرة. أمّا الأعمال التلفزيونية الأمريكية فتكاد تخلو من أي نموذج إبداعي يقوم بتعرية فكرة الحلم الأمريكي، ويرفض العمل على تصدير الثقافة الأمريكية القائمة على التبشير بالرفاهية واللذة الجسدية باعتبارهما غايتي الوجود. صنّاع الدراما الأمريكية ما زالوا يعيشون على بيع الأحلام.