أن تجد شابًّا أو شيخاً يحفظ القرآن الكريم حفظاً متقناً فهذا أمرٌ غير مستغرب، خاصة في هذا العصر الذي أقبل فيه الشباب على حفظ القرآن وانتظموا في حلقاته، ولكن العجيب أن تجد طفلاً لمّا يخرج من العام الثالث، ولا يحسن نطق بعض الحروف ومع ذلك يحفظ من القرآن الكريم قدراً كبيراً، ويزداد عجبك حين تعلم أن هذا الطفل لم يسبق له أن ثنى ركبتيه أمام معلم "تحفيظ" ولا لقّنه والداه القرآن الكريم!!!!، بل لم يكن ينطق قبل أن يظهر نطقه بآيات القرآن وسوره. الطفل عبد الرحمن بن محمد فارح، طفل جزائري يزور المدينةالمنورة هذه الأيام، يقول والده: إنه يحفظ بعض سور القرآن وهو في الثالثة من عمره، ويتلوه تلاوة "الكبار" حفظاً وتجويداً. "المدينة" التقت الطفل عبدالرحمن ووالده في معرض الكتاب والمعلومات السابع والعشرين بالجامعة الإسلامية، وكان لنا معه هذا الحوار: * هل لكم أن تعطونا نبذة عن ابنكم عبدالرحمن وقصته؟ هذا فضل من الله تعالى وحده لا شريك له، وهو أن ابني عمره ثلاث سنوات ونصف ويحفظ قدراً كبيراً من القرآن وخاصة من السور الطوال، ويحفظ سوراً كاملة مثل سورة الكهف ومريم وطه ولقمان، ويحفظ قصار السور، ولم يسبق أن درس على معلم ولا في مدرسة وهذا فضل من الله سبحانه. * كم عمر ابنكم بالتحديد؟ وكيف بدأت القصة؟ عمره بالتحديد ثلاث سنوات وثمانية أشهر وهو من مواليد 2006م، وبداية القصة أنه عندما أكمل ابني عبدالرحمن عامين ونصف اكتشفنا هذه الميزة التي يحملها حيث بلغ ذلك العمر ولم يكن يتكلم ولا ينطق بحرف واحد، وكنا نفكر في عرضه على الأطباء لمعرفة مشكلة تأخره في النطق، ولكنه فجأة بدأ ينطق بآيات وسور من القرآن، وحينها اكتشفنا أنه يحفظ ما يحفظ من القرآن دون أن نكون قد علمناه ولا درسناه!!!!، ومكثنا ستة أشهر لا يعلم بقصته إلا نحن، وفي رمضان الماضي عندما أكمل ثلاث سنوات وعندما شاع الخبر وردتنا اتصالات من التلفزة الجزائرية لمقابلته، وبعدها أجرت الصحافة الجزائرية عدداً من المقابلات معه، واستقبله رئيس الدولة السيد عبدالعزيز بو تفليقة ليلة 27 من رمضان وكرّمه، ثم زارتنا القناة السعودية الأولى وأصرت على مقابلتنا ولبّينا طلبها لأننا نحب هذا البلد ونحب قيادته على هذا الدعم المقدم للإسلام والمسلمين بلا حدود وهذه حقيقة لا ينكرها أحد، ثم زارتنا قنوات أخرى ورفضنا مقابلة القنوات غير السعودية. * هل عرضتم الطفل عبدالرحمن على شيخ لاختباره ومعرفة المقدار الذي يحفظه من القرآن؟ نعم عرضناه على مشايخ ولقاءاتهم به مسجلة، وعندنا في الجزائر في كل عام في رمضان يجتمع مقرئون كبار وكانت لنا فرصة مع ابن الشيخ محمد الصديق المنشاوي وقال عن ابني عبدالرحمن: إنه مذهل، ومن أنطق في المهد أنطق عبدالرحمن، ووجد أنه يقرأ مطبقاً لأحكام التجويد، واستغرب حفظه وقراءته فضلاً عن كونه يطبق أحكام التجويد بدون معلم وفي هذا السن، وأنا أقول إنه إلى الآن ما زال نطقه غير كامل ولا يعرف التحدث، ولكن يقرأ القرآن بطلاقة وفصاحة. * ألا تخافون عند إبراز الطفل للإعلام والمجتمع من العين والحسد؟ نحن على كل حال متوكلون على الله عز وجل في أن يحميه ويحفظه، ونحن نحصنه بالأذكار صباح مساء، وقبل أن نأتي الآن لزيارة المعرض قرأت عليه أمه أذكار المساء وحصنته بالقرآن، وكل ما أردنا الخروج فعلت معه ذلك، والحافظ هو الله تعالى، ونرجع إلى ما قلت سابقاً من رغبتنا في إبرازه قدوةً للصغار حتى يحفزهم آباؤهم على حفظ القرآن وكما قال الله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث). * هل وجدتم من يشكك في هذا قصة عبدالرحمن؟ وهل قوبلت موهبته بالتحطيم؟ كيف يشكك في شيء موجود؟ ولكن التحطيم موجود وهو من سنن الله في خلقه، وهذه طبيعة الناس، وقد قال لي مسؤول في الهيئة الإسلامية في الجزائر ذات مرة: "لا تحفظ هذا الطفل ولا تحرمه من اللعب.. اتركه يستمتع بطفولته"، فأجبته بأني لا أدرسه بل هو يقرأ وحده ويراجعه من تلقاء نفسه، والقرآن على لسانه حتى وهو يلعب، حتى أنه لا يقبل الاستماع إلى أناشيد الأطفال التي تعرضها بعض القنوات الفضائية ويطلب منا إغلاقها مباشرة، ولا يحب إلا الاستماع للقرآن. * هل تتابعون عبدالرحمن بالمراجعة والمذاكرة لتثبيت حفظه؟ كما ذكرت لك، فهو يراجع من تلقاء نفسه وحتى وهو يلعب يكون القرآن على لسانه، ولم نتدخل نحن في المراجعة له. * هل يوجد في العائلة من يحفظ القرآن الكريم؟ لا، ليس في العائلة أحد يحفظ القرآن، فلا أنا ولا أم عبدالرحمن نحفظ القرآن. لكنه كان يستمع معنا إلى بعض قنوات القرآن الكريم.. وكانت أمه تتلوا القرآن بجانبه، وهو في شهره السادس من عمره. وكان عبدالرحمن أثناء إجرائنا للمقابلة مع والده يجري في أروقة المعرض حاملاً كرة صغيرة، في براءة الطفولة، وحبّها للمرح، ولم نكدْ نستطيع أن نقنعه بالتوقف عن اللعب للحديث معه أو تصويره، حتى أقنعه والده بكلمات بلهجة جزائرية لم نفهمها، فوافق "الشيخ" عبدالرحمن وأقبل مسرعاً إلى حجر والده، ولم يقرأ حتى أغريناه بآلة التسجيل التي أخذ يلعب بها وهو يتلو آيات من أول سورة طه بالتجويد والترتيل، ثم طلبنا منه قراءة سورة لقمان فشرع في قراءة آيات من وسط السورة. وبعد لقاء "المدينة" بالطفل ووالده، أصرّ منظمو معرض الكتاب على أن يقدّم المذيع كمال هاشم رشيد فقرة إذاعية مع الطفل عبدالرحمن ووالده، حيث تلا على الملأ بعض ما يحفظ من القرآن بصوت عذبٍ برئ، مما دعا زوار المعرض إلى التوقف عن التسوق وحضور المنصة لمشاهدة "الشيخ الصغير" وتصويره. كما زارت أسرة عبدالرحمن استوديو الإذاعة بالمدينةالمنورة وسجلت حواراً إذاعيًّا هناك.