في مقال البارحة تحدّثتُ عن لجوء مدّعي الليبرالية في السعودية لاستخدام قضية المرأة بغرض تحقيق مواقع متقدمة في الصراع الذي يجمعهم مع التيار المتشدد المنافس. بالمقابل فإنني أعتقد بأن التيار المتشدد هو الآخر يفعل الشيء نفسه. فهذا التيار ليس مهتمًّا بقضية المرأة رغم ما تحتله المرأة وفقهها من حيّز يُعتبر هو الأعظم من نتاجهم. إنهم مهتمون فقط باستخدام المرأة كموضوع لتخويف المجتمع من الطرح الليبرالي الذي سيأتي على القيم الأخلاقية كما يزعمون. يرتكز طرح هؤلاء على حبس المرأة داخل منزلها. وتحت حجة منع أسباب الفتنة، وسد الذرائع، ويبالغون في افتعال وطرح قضايا مثل: (الاختلاط) حتّى وصل الأمر بأحدهم إلى الدعوة إلى نقض المسجد الحرام، وإعادة بنائه من جديد! لقد خلق الله الإنسان من ذكر وأنثى، وكل مَن يقرأ التاريخ سيتأكد من أن تجربة الفصل الكامل بين الجنسين هي أمر لم يحدث قط عبر أي مرحلة من مراحل التاريخ البشري. وحتّى لو استطاع مجتمع ما أن يتبنّى خيار الفصل الكامل بين الجنسين، فإن ذلك لن يمنع من حدوث الانحرافات التي تبقى مرهونة بالإرادة الإنسانية القادرة دائمًا على إيجاد منافذ للاحتيال على القوانين مهما كانت صارمة. إن حديث البعض عن سد الذرائع، وإخماد الفتن النائمة، مع تجاهل الأسباب المؤدّية لهذه الفتن، هو حديث حق يُراد به باطل. مَن مِن هؤلاء سمعناه يتحدث عن ظاهرة الفقر وتأثيرها في شيوع الانحراف؟ مَن مِن هؤلاء سمعناه يتحدّث عن ظاهرة الطلاق؟ هل اهتمّ أحدهم بمناقشة أسباب هذه الظاهرة؟ وهل فكّر أحدهم في تأسيس الجمعيات، أو إقامة الفعاليات التي تهدف إلى توعية الأزواج والزوجات، وتقديم المساعدة لهم بغرض الوصول بحياتهم الأسرية إلى بر الأمان؟ هل سمعنا أن أحدًا من هؤلاء اهتمّ بمناقشة موضوع البطالة النسائية، وما يمكن أن يتسبب فيه من سقوط للكثيرات في فخ الانحراف، إمّا لضيق ذات اليد، وإمّا بسبب حالة الفراغ القاتلة؟ إنني لا أجد أن هناك أيّ فارق بين هؤلاء وبين الليبراليين من حيث عدم اكتراث الطرفين بمعاناة الناس.