يبدو أنني لم أستغرب مقولة أحد علماء الاتّصال، حينما قال عن جهاز التلفزيون عند اختراعه بأنه (ثورة داخل صندوق)! هذه الثورة التي أصبحنا نعايشها واقعًا ملموسًا بعد أن غزت العالم من أقصاه إلى أدناه. ثورة بدت ملامحها باختراع الترانزستور، مرورًا بمولد الإذاعتين المسموعة والمرئية، انتهاءً بغزو الفضاء عبر كوكبة من الأقمار الاصطناعية. ثورة التدفق الحر للمعلومات من الشمال إلى الجنوب بعد ظهور شبح ما يُعرف بالبث المباشر الذي غزا كل أسطح المنازل، وتسلل إلى داخل كل بيت، سواء في المدن أو القرى والريف عبر منظومة الكترونية صغيرة ودقيقة قد لا يتجاوز قطر جهاز استقبالها تسعين سنتيمترًا، إنها ثورة الاختراق الثقافي لا الغزو الثقافي، إنها ثورة القنوات الفضائية التي طغت على الساحة الإعلامية، ونتيجة التطور التكنولوجي المتسارع الذي شهدته القنوات الفضائية تنافست الشركات الإعلانية، وكبار السماسرة، وأصحاب رؤوس الأموال في افتتاح العديد منها بعد أن ابتعدت عن مهامها الإنسانية، وأهدافها السامية، فكانت النتيجة والهدف قنوات فضائية تجارية تتاجر بالغناء والرقص والمجون والأفلام الهابطة، وتنشر الرذيلة والفسق وسوء الخلق، إلاّ من رحم الله. هذه القنوات التي نصبت أعلامها في كل بيت مخترقة كل الحدود والحواجز حتى الصغير منا قد لا ينجو منها بمجرد الضغط على زر جهاز التحكم. فكثر النقاش والجدل حول موضوع الاختراق الثقافي عبر القنوات الفضائية، وأجريت العديد من الدراسات العلمية لوضع الحلول المناسبة في كيفية المحافظة على هويتنا قيمًا وأخلاقًَا عبر إعلام هادف. فهل الإعلام الديني الذي برز في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ عبر قنوات دينية جاء كرد فعل لمواجهة القنوات الفضائية الهابطة؟ وهل ظهور هذه القنوات مؤشر على صحوة الإعلام العربي من غفلته.