أكتب كلمتي هذه اليوم لأنبه إلى أهمية بناء المساجد على أسس علمية وفنية صحيحة حتى ولو كانت مساجد صغيرة في الأحياء بحيث يكون فيها الأمان اللازم ووسائل السلامة ونخص بالذكر هنا مساجدنا في جدة التي تعرض بعضها لأذى كبير بسبب الأمطار الأخيرة، ونحن أولاً نشكر الله الذي أكرمنا بهذه النعم في هذه البلاد الطيبة ووفق الكثير من محبي الخير رجالاً ونساء الذين بنوا لنا مساجد كثيرة، وانفقوا عليها باستمرار ابتغاء مرضاة الله وامتثالاً لقول الحق سبحانه وتعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر..) فإعمار المساجد إنما يكون ببنائها وبإعمارها بالصلاة وعبادة الله وبالذكر. لقد كثرت المساجد ولله الحمد في بلادنا حتى لم يعد المصلي يضطر في كثير من المدن والأحياء والقرى إلى ركوب سيارة للوصول إلى المسجد، ففي كل تجمع سكاني نرى والحمد لله مسجداً يلبي الحاجة لإقامة الجماعة والجمعة، وهذا فضل كبير من المولى سبحانه وتعالى ودليل على أن هذه البلاد تزخر بالخيرين من أهل الإحسان الذين ينفقون على بناء المساجد وفرشها وعلى العاملين فيها لإقامة الصلوات وتقديم ما يلزمها من الخدمات. ومع ذلك، فقد كشفت حادثة جدة الأخيرة عن خطأ جسيم ربما فات على من أعد تصاميم هذه المساجد وأعطى الترخيص لبنائها، ونبهتنا إلى أن نتدارك هذه الأخطاء التي تعد من أساسيات تصميم أي مبنى ترتاده مجموعات كبيرة من الناس، فقد تعودنا - مع الأسف- ألا نتنبه إلى أمور هامة إلا بعد أن تقع كارثة أو تحل بنا مصيبة، وهذا الخطأ يكمن في أن معظم المساجد في بلادنا ليس لها إلا باب واحد وقد يكون ذا حجم صغير بحيث لا يتسع لخروج أكثر من ثلاثة أو أربعة أشخاص في وقت واحد، وفي المساجد مئات كثيرة، وفي بعضها ألوف، فكيف يخرجون في حالات الذعر وحلول الكوارث -لا قدر الله- دون أن تزهق الأرواح البريئة، ففي حالات السيول والحرائق والزلازل -مثلاً- لا شك أن المصلين سوف يتدافعون للخروج وسيتزاحمون على الأبواب وقد يموت بعضهم وخاصة كبار السن والعجزة نتيجة هذا التدافع، وقد يعجز البعض عن الخروج، وما ينطبق على المساجد ينطبق أيضاً على المدارس وصالات الأفراح والأماكن المشابهة الأخرى التي يتطلب بناؤها دراسة عميقة وشاملة، ونظرة مستقبلية تضع في حسابها كافة الظروف والأحوال لئلا تتكرر المأساة التي وقعت على حين غرة وغمرت المياه وحاصرت السيول بعض من كان يؤدي صلاة العصر في بعض المساجد، ولقي بعض المصلين حتفهم، ومثل ذلك حين حدث حريق في إحدى صالات الأفراح في الطائف ذلك الحادث الذي فقدنا فيه عشرات من أبنائنا وبناتنا وتحول الفرح إلى أحزان وكوارث ومآتم، وغير ذلك من الحوادث. ويبرز هنا تساؤل: لماذا لا توضع مثل هذه الأمور في الاعتبار عند تصميم المساجد والمدارس وصالات الأفراح وغيرها، ولماذا لا تكون هناك أبواب عريضة تفتح بمساحة واسعة تكفي لخروج أعداد كبيرة من الناس في الحالات الطارئة في وقت قصير، أو أن تتعدد الأبواب ويزداد حجمها وهل نحن في حاجة إلى أن نضحي بأرواح الناس لنتنبه إلى ما يجب علينا القيام به؟ وختاماً فإني أوصي الدوائر المختصة أن تضع لمثل هذه المباني مواصفات وشروطاً هندسية عالية المستوى لكل بناء ذي نفع عام، ولكل بناء آخر صغيراً أم كبيراً للمساجد وأن لا يؤذن ببناء مسجد إلا إذا اكتملت هذه الشروط وأهمها السلامة وهذا أمر لا يضيف تكاليف كبيرة وفي الوقت نفسه يعتبر صمام أمان لحماية المصلين من الكوارث المفاجئة، كما حدث في جدة، واسأل الله العلي القدير أن لا تتكرر مع حاجتنا إلى الأمطار الكثيرة. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.