لم يكن بِدْعاً أن يكون شعار الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة: (عالم واحد وثقافات متعددة) فلطالما أصّل المهرجان للتعددية الثقافية طوال مسيرته لربع قرن من خلال إحيائه للألوان الثقافية المتعددة داخل هذا الوطن الكبير التي تنضوي جميعاً تحت راية: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) “فالجنادرية” تلك القرية الصغيرة الحالمة السابحة في سكون الصحراء أراد لها عبدالله بن عبدالعزيز منذ بدء احتفالياتها ومهرجاناتها أن تحوي كل ألوان التراث والثقافة في بلادنا المترامية الأطراف التي تتنوع فيها اللهجات والعادات والأهازيج والرقصات والملبوسات والأكلات بشكل لافت، كما تتعدد الحِرف والصناعات والزراعات، فأتاحت الجنادرية لهذا التنوع أن يظهر للعيان من خلال الزوايا والأركان والمعارض التي يمثل كلٌ منها منطقة من مناطق بلادنا الحبيبة، وكانت تلك فرصة سانحة على مدى ربع قرن أن يتعرف أهل كل منطقة على تراث المناطق الأخرى عن كثب. بل أتيحت الفرصة للزائرين من خارج الوطن من الوطن العربي وسائر الأقطار أن يطّلعوا على هذا الثراء الباهر في تنوع وتلوّن المظاهر الثقافية والتراثية داخل بلادنا بما يثير الإعجاب، وما أثار الإعجاب أكثر فأكثر أن هذا التنوع وهذه التعددية الثقافية أمكن دمجها جميعاً في منظومة وطنية واحدة ونسيج وطني واحد، ذابت معه الفروق وتأصلت فيه الأخوّة ونما فيه الانتماء وزاد وترسّخ في نفس وقلب كل مواطن ومواطنة، فلا فرق بين شمالي وجنوبي أو حجازي ونجدي، فالكل سواسية والكل منتم للواء الوطن بصدق وإخلاص وتفان. وهذه اللحمة الوطنية الباهرة زادت من احترام وتقدير الشعوب كلها وتقديرها لهذا الوطن وقادته وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله. وكما نجح يحفظه الله في إبراز التنوع التراثي والثقافي في مناطق المملكة الذي يجمعه نسيج وطني متين واحد. نجح يحفظه الله في مبادرة غير مسبوقة لإبراز الحوار بين أصحاب المذاهب والديانات والثقافات في العالم كله، وهو المعنى المتجسد في شعار المهرجان لهذا العام: (عالم واحد.. وثقافات متعددة). وعليه فقد دعت الجنادرية هذا العام علماء وباحثين ومفكرين بارزين لمناقشة هذا التنوع الفكري الذي تتميز به البشرية عبر عشرين فعالية منها الفكري والسياسي والأدبي والإعلامي والاقتصادي وسواه. فوفد إلى الرياض عشرات الشخصيات العالمية من مختلف الدول العربية ومن دول: إندونيسيا والباكستان وبنجلاديش وسنغافورا وماليزيا والصين والهند وروسيا وتركيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا والبرتغال وبولندا ورومانيا، وألمانيا وهولندا وأمريكا، إضافة إلى مفكري وأدباء المملكة. وما أجمل العبارات التي حيّا بها ممثل الوفد الفرنسي في حفل افتتاح المهرجان، خادم الحرمين الشريفين وشعب المملكة، وما أبداه من احترام وتقدير للإسلام وحضارته وثقافته، كل ذلك أبرز التحوّل الذي أحدثته مبادرات خادم الحرمين الشريفين في ضمير العالم الغربي على وجه الخصوص الذي بدأ في استعادة الصورة الحقيقية لدين الرحمة والسلام والتعارف بين الأمم والشعوب، بعد أن نجح بعض أعداء الأمة في تشويهها على مدى عقود وربما قرون مضت، واستفحل هذا التشويه بعد أحداث 11/9 الآثمة. فمثلت مبادرات الملك المفدى الخطوات المتعلقة المدروسة لتجاوز هذه المرحلة. وهو ما سيذكره التأريخ وتسطره الأجيال القادمة بأحرف من نور. حضرت وشاركت وداخلت في ندوات عدة ومحاضرات تترى في (جنادرية 25) ولمست فيها جميعاً هامش حرية واسعاً جداً في الطرح دون قيود أو حواجز إضافة إلى تنوع كبير في الرؤى والأفكار، لم أعهد مثله (أقولها صادقاً) في عشرات الندوات والمؤتمرات التي شاركت فيها في أوروبا وأمريكا واستراليا وشرق آسيا والعالم العربي.