لملم حقائبه ذلك الزائر السنوي.. حقائب خفّت بما عاد به الناشرون، وما تبقى من ورق وحبر، كان عرسًا يوميًّا حافلاً بأطياف الثقافة المختلفة، خرج عن كونه سوقًا للبيع والشراء إلى ملتقى ثقافي أدبي عبر الندوات ومنصات التوقيع وإيوان المثقفين الليلي الذي كان يجمعهم على اختلاف اتجاهاتهم وأفكارهم، ولطالما اختلفوا، وقلمّا اتفقوا، واختلاف الآراء لم يفسد للود قضية إنما أثار محاور وطروحات يمكنها أن تطرح لتخدم في العام المقبل إن التُفت إليها. ذلك الشارع الذي صخب بالزوار طيلة الأيام الماضية لا بد أنه الآن يشتاق خطوهم وصخبهم.. المقاهي أقفرت من زوارها، الفضاء الذي نقل على مدار الوقت ما كان يدور من أرض المعرض إلى كل العالم عبر قنوات عدة أبرزها النجم الوليد الذي ترك له بصمة في الفضاء وفي الأذهان «القناة الثقافية» كان مزادنا بالكثير من الحراك. ربما كانت الأمنيات كبيرة والأحلام أكبر من أن تتحقق في تنقل معرض الكتاب في أرجاء المملكة لكن وعد معالي وزير الثقافة والإعلام جعل الأمر قاب قوسين أو أدنى في القريب العاجل ومناطق المملكة بانتظار قوافل هذا المعرض بما تحمل من البهجة. لقاء الممثقفين من الداخل والخارج بأمير الرياض كان جسرًا ممتدًا ما بين صاحب القرار والسلطة وعاشق التاريخ وبين أهل الثقافة والكتب. الحوار.. كان محور اللقاء.. الحوار كفضيلة إسلامية ودعوة سعودية أطلقها خادم الحرمين الشريفين.. حوار الأديان والثقافات لتنطلق من أرض المملكة إلى كل العالم.. وقد تجلّى واضحًا اهتمام أمير الرياض بهذا الجانب الذي يؤسس لعناق ثقافات متعددة تشكل في تجمعها حضارة راقية لا يحكمها الصراع بقدر ما يميزها تنوعها واختلافها. الكتب خير أنيس تغادر منصاتها لتكون في حضرة معارض أخرى ربما لم تكن لتوفر لها ما حظيت به في معرض الرياض وبشهادة أصحاب دور النشر المشاركة والتي سبق لها أن كانت لها تجارب عديدة في معارض كثيرة. الصالات التي كانت صخبت بالمثقفين في لقائهم بمعالي الشاعر الوزير لم تكن لتتعدّى أصابع اليدين في الندوات التي ربما لم تكن أكثر محاورها ومحاضريها بالدرجة المأمولة التي كان لا بد وأن تواكب معرض الكتاب كمهرجان ثقافي كبير بكل ما حققه من وهج وحضور ونشاط كان لا بد أن يكون من نصيب الندوات أيضًا والتي عزف عن أغلبها المثقفون والزوار. الإيوان الذي كان لا بد ويحظى بحضور الأدباء وأهل الثقافة والشعر لم يكن أيضًا ليقصده من كان له باع أو اهتمام بالثقافة والصوالين الأدبية والتي لم يحضر أصحابها كترجمة حية لامتنانهم ربما بتكريمها هذا العام لهم ولمسيرتهم. كان الإيوان ليكون مشروع صالون أدبي ثقافي يجتمع فيه هذا الجمع الغفير التي حظيت به الرياض ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. لم تكن أيضًا الأجنحة والردهات التي حملت أسماء تشكيليين سعوديين بارزين تعرض أيضًا فنونهم للتعريف بملامحها أو لتضم إحدى الندوات محورًا عن الفن التشكيلي الذي احتفت به وزارة الثقافة والإعلام للمرة الأولى في مهرجان الكتّاب. من هنا مرت قوافل الفرح.. قوافل البشرى.. قوافل الفكر التي استيقظ أصحابها حين نشط القراء في ابتياع أوراق تضم عطرهم وتغفو ذواتهم بين طياتها لتستيقظ حين تمر أنامل القراء تقلب الورق فينتشي الحبر ويحيى الفكر. كانت نوارسي لتكون بلون الحبر وبهجتي بلون الورق لو أن ديواني الرابع كان حاضرًا على منصات التوقيع.. وفي متناول من لامني بالانشغال عن صدوره.. أيتها الكتب ..ليس وداعا بل إلى لقاء سنكون معك على موعد قريب، فقد أسعدنا حضورك فقصدنا مهرجانك الذي اجتمعنا حوله كما يأتم المشتاق لنار قد تلوح في الأفق ترشده لمضارب الدفء. * همسة: تهرم الحياة فيغشى الموت كل شيء إلا مضاجع الكلمات