بعيدا عن الجدل المزمن حول المسميات والمواصفات سيكون حديثنا عما يعرف اليوم بالديمقراطية ومدى وجودها وتطبيقها على أرض الواقع على مستوى البيت والمدرسة وبقية مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية ، وعلى فرض أن هذا المسمى قد لا يرضى عنه أو يقبله بعض الناس أو يرضى به بل ويطالب البعض الآخر ، فإن هذا الحراك المتناقض دليل على وجود حياة في المجتمع ، وعلى فرض وجود اختلاف عميق بين مفهوم هذا المصطلح بين الكتاب والمفكرين فإن ما يهم الجمهور هو الناتج النهائي الذي يلبي الاحتياجات الأساسية من المأكل والمشرب والمسكن والملبس ، وأهم من ذلك كله توفر بيئة آمنة نفسيا واجتماعيا مما يساعد الإنسان على أدائه لمهامه الحياتية ويبعده عن ضوضاء العيش وسلبيات الفوضى أيا كان شكلها ونوعها ودرجاتها. وإذا كانت المجتمعات الغربية والشرقية كاليابان التي تطبق النمط الغربي من الديمقراطية تجد فيها ما يسد معظم فجوات التنغيص سواء على مستوى الفرد أو المؤسسات أو المجتمعات ، فالبشر في تلك المجتمعات يشعرون بأهمية تحقيق الديمقراطية في حياتهم لأنهم يعيشونها غالبا داخل وخارج بيوتهم ، ولا فرق بين أمي لا يفك الحرف أو أكاديمي يمتطي جواد العلم ويجوس بين زوايا المعامل والمختبرات، أو سياسي يصول ويجول في عالم السياسة ، أو رجل أعمال يغوص في أعماق أرصدته ، فالجميع تحت هذه المظلة يجدون مبتغاهم بكل أريحية ودون عناء. وفي مجتمعاتنا العربية ورغم ادعاء بعضها بأنه يطبق الديمقراطية فإن الواقع يكاد ينفي وبكل تأكيد هذا الزعم ، لأن أسلوب الحياة وطريقة المعيشة ونمط التعامل بين الأفراد ناهيك بين الجمهور والمؤسسات المدنية والرسمية يصرح وبكل وضوح بأنه لا دليل على وجود هذه البيئة ولا مجرد رسوم أو شعارات مؤثرة ، ففي البيت لا يوجد سوى رأي واحد الزوج أو الزوجة ، الأب أو الأم أو ربما الابن الأكبر ، وفي المؤسسات لا يوجد سوى الرأي الفرد المتسلط وتحت مظلة تطبيق الأنظمة المدير أو المسؤول رقم واحد ، بل حتى على مستوى الزعامات وخاصة التي تتغنى بلعبة الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية فهي تعيش دوامة لا أول لها ولا آخر ، وكم من الوقت والجهد يضيع هباء بحجة هذه اللعبة التي أصبحت مجرد لوحات وشعارات وعبارات رنانة تنطلي غالبا على كثير من البسطاء والأذكياء في أحيان كثيرة ، وليت من بأيديهم زمام الأمور في عالمنا العربي يستيقظون فيشعرون بمسؤوليتهم الحقيقية نحو مجتمعاتهم فيوفرون على خزائن دولهم الملايين ليؤمنوا لقمة العيش والأمن الاجتماعي والنفسي لمواطنيهم بدلا من قتل روح الإنسان وتدمير شخصيته في دوامة اللعبة البرلمانية والسياسية . أخيرا إن الديمقراطية حقيقة ماثلة للعيان في المجتمعات التي تعرف معناها الحقيقي وتطبقها في كل زوايا الحياة ، أما في المجتمعات العربية فهي تعيش الوهم والخرافة بكل ما تعنيه هذه الكلمة!