أصبح معرض الرياض الدولي للكتاب تظاهرة ثقافية هامة في بلادنا تزداد خطواتها ثقة ورسوخا عاما بعد آخر. والمعرض جيد بمقاييس كثيرة عطفا على تجارب سابقة له أو لمعارض اخرى في بلادنا وقد اتضحت في تنظيمه الجهود المثابرة لوزارة الاعلام ومنسوبيها على كافة الأصعدة. وقد شهد المعرض هذه السنة العديد من المظاهر اللافتة حيث خصص للمعرض مكان ضخم ومهيأ بخدمات حضارية مختلفة ومميزة الامر الذي انعكس على زيادة الطاقة الاستيعابية للعرض وعلى التنظيم وراحة الزوار. كما اتسم بوجود ظاهرة تكريمية وجهت للمؤرخين والفنانين التشكيليين حين اطلقت اسماؤهم على ممرات المعرض واعتبرها لفتة لتكريم الابداع في حياة اصحابه بدلا من الاستناد الى عادة التكريم بعد ان تطوى صحائف المرء. وقد كان تكريم اصحاب المنتديات والصالونات الادبية لفتة رائعة لمن دعموا الثقافة وضخوا في دمائها مزيدا من الرحيق اللافت مساهمين في حراكها رغم كثرة الاعاصير التي هبت عليهم. اما المعضلة الرقابية على الكتب وهي الامر الذي يشكل مدخلا لحوار لا ينتهي الا حيثما ابتدأ بين تيارات فكرية مختلفة في المجتمع فقد نجحت جهود الاعلام في الانتصار الى التنوير الوسطي المعتدل بهامش رقابي مستنير وان اعتبر بعض المثقفين انها رقابة انتقائية نظرا لمنع كتبهم وهذا حقهم في اختلاف الرأي. وقد كان البرنامج الثقافي المصاحب مقبولا بصفة عامة الا ان الاستنارة بآراء المثقفن والمثقفات من كافة المناطق قبل المعرض بمدة كافية يثري هذا البرنامج ويكثف رؤيته الابداعية ويثريه بزخم فكري متنوع. ومن المؤسف ان تقزم حضور البرنامج الثقافي الى درجة لافتة رغم ان البرنامج كان مطبوعا في متناول الزوار وقد يعود ذلك إلى ضآلة الاعلان عنه والاعلان كما نعرف اصبح الآلة المحركة لأي حدث في المجتمعات كبر أو صغر. كما ان الاقتصار على برنامج واحد لايعد كافيا لمعرض كتاب بهذا المستوى فأين التعريف بالكتب الجديدة- واين خيمة الشعر- واين مقهى الادباء وغيره من البرامج التي تثري هذه التجربة الثقافية المميزة. وقد تأثر حضور المعرض من داخل الرياض وخارجها من تقسيم الايام النمطي الغريب الذي يكرس تشطير المجتمع. ان المعرض يقام مرة واحدة في السنة وفي مدينة واحدة هي الرياض فقط ولمدة محدودة جدا، فمن الافضل أن يكون للجميع حتى يتسنى للقادمين من خارج الرياض حضوره لأطول وقت ممكن، بعيدا عن التنميط من اراد من الرجال ان يأتي وحده فليخصص لهؤلاء يوما واحدا فقط. لأن المعرض في واقع الحال كما رأينا تظاهرة ثقافية يرتادها الجميع وتعكس مظهرا حضاريا يحترم فيه الناس بعضهم البعض ولم تكن غولا ينقض على الاخلاق ليقتاتها ويهدد الفضيلة كما تصور بعض المواقع المريبة. فنحن مجتمع مسلم محافظ له تقاليد يعرفها الجميع ويحافظ عليها والسلوكيات الفردية لا قاعدة لها بل الأساس للسلوك العام للمجتمع. اما الاسعار فقد كانت لمحبي الكتب وقارضيها الدائمين مرتفعة جدا رغم التأكيدات المطروحة على ان للمعرض خصومات خاصة لدى الدور فاين هي تلك الرؤية التفاؤلية التي لم نلمسها باعتباري احدى القارضات العتيقات فاعرف معظم الدور واسعارها. اما توقيعات الكتب وهو مظهر هام للمعارض فقد حشرت النساء الموقعات في اقصى زاوية في قسم الاطفال بين ثغائهم والعابهم امام رجل امن يمنع ايا كان من التحدث اليها ويجلس قبالتها عدد من الاشخاص يتناوبون اربعا فاربع على رصد ادنى حركة تصدر منها حتى لو كانت تصلح حجابها وكان ذلك تشويها كبيرا في عظمة الدين الحنيف الذي امر بغض الطرف وفي هذه الظاهرة الحضارية فاستوصوا بالنساء خيرا وظنوا بهن الخير فهن الامهات والزوجات والبنات والاخوات. كما أن من حق المبدعة ان تأخذ فرصتها في مقابلة كل زوار المعرض لا أن تجلس في زاويتها تنتظر من يأتي لماما بعد تسوقه للكتب الملونة والألعاب في قسم الأطفال.