(التتمة) دعم رجالي * يقال إن المرأة دائمًا تحت عباءة رجل أعمال كبير ليرعاها، فهل هذا طعن في كفاءتها.. وكيف ترين هذا الزعم، ويقال إن حضورك في البداية كان بسبب محمد عبداللطيف جميل؟ طبعًا هذه حقيقة ولا يمكن أن أنكرها ولولا هؤلاء الرجال لما تمكّنت المرأة حسب الوضع الذي نعيش فيه من الظهور والنجاح لأنها تحتاج للرجل بنسبة 100%. القضية ليست قضية تنافس بين الرجل والمرأة. نحن لا نفرق بين الجنسين. العقلانية تقتضي ذلك. في أي مجتمع لا يمكن للرجل أن ينجح بمعزل عن المرأة ولا يمكن للمرأة أن تسير بعيدة عن الرجل. لكن الفكرة أصلاً ترجع لمحمد الفضل. محمد جميل دعم الفكرة. لكن الأخ محمد الفضل الذي كان رئيسًا لمركز السيدة خديجة بنت خويلد هو الذي فكّر في دعم فكرة مشاركة المرأة في انتخابات الغرفة التجارية بجدة وما دام هناك مركز باسم السيدة خديجة بنت خويلد فلماذا لا تكون هناك نساء يهتممن به؟ أدركوا أنه لا توجد طريقة لذلك إلا بعد مشاركة المرأة في الانتخابات. كان الأمير عبدالمجيد رحمه الله من الداعمين لهذه الفكرة. معلوم عن الأخ محمد جميل أنه كان يجمع أصوات كثيرة للانتخابات واحتضن الفكرة وقال إن دعمي والأخت نشوى طاهر من مسؤوليته الشخصية. كان هناك أكثر من رجل وهؤلاء الرجال لم يدعموا هذه الفكرة إلا لأنهم آباء لفتيات. وقفوا مع المرأة. عندما كان محمد الفضل رئيسًا لمركز السيدة خديجة بنت خويلد كانت هناك أمور كثيرة لم يكن باستطاعته التعامل معها. لذلك فقد فتح الباب أمام المرأة لتتنافس مع رجال الأعمال بنفس الطريقة. هناك سيدات أعمال كثيرات يشاركن في الشركات العائلية. الأخت نشوى طاهر من أكثر السيدات اللاتي شاركن في شركات وهي تشارك مع والدها في إدارة أعماله. مجتمع مخنوق * أعود للشركات العائلية.. هناك من يقول إنها اضطهدت المرأة كثيرًا ولم تعطَ المرأة الفرصة فيها رغم أن لديها حق فيها؟ هذه من القضايا المهمة التي أعتقد أن معظم العائلات في المملكة سوف يواجهنها قريبًا. لا بد أن ندرك يقينًا أن التجارة والصناعة في المملكة تم تأسيسها على أساس الشركات العائلية. لا يمكن أن نقول إن الشركات المساهمة الحديثة التي نراها حاليًا هي الأساس لأنها أتت مؤخرًا. كل التجارة والاقتصاد في المملكة تأسس على عاتق هذه الشركات العائلية. كان هناك عرف في تلك الأيام. قبل 40 سنة كان الأب لا يشرك بناته في العمل – ليس لأنه ليس له ثقة فيهن ولكن لأن العرف لم يجر على ذلك. كان ذلك مضادًا للعادات والتقاليد. كان الرجل عندما يخرج للعمل يأخذ معه ابنه ولا يفكر في أن يصطحب معه ابنته. العرف جرى على ذلك لأننا لم نزل مجتمعًا مخنوقًا بعاداته وتقاليده. هذه التقاليد هي التي تسيرنا وليس لنا فيها خيار. في بعض الأوقات لا نكون مقتنعين بكثير من الأمور ولكن مجبرين على العمل بموجبها. بعض الآباء يترددون في الخروج مع بناتهم في الشارع لأن الآخرين قد يرونهم ويتعرفون عليهم. لذلك يفضلون الخروج بصحبة الأبناء. البنت تم تهميشها ليس عن عمد ولكن بسبب التقاليد. وجدت نفسها بعيدة عن العمل التجاري. أما الأبناء فقد كان وضعهم مختلفًا. كان الآباء يأخذونهم معهم فيتعرفون على الموظفين في المحلات والشركات وكانوا يعلمون مقدار البضائع الداخلة ومقدار البيع. لذلك كانوا على علم منذ سن مبكرة بكيفية سير العمل. لذلك لا تواجههم مشاكل عندما يرثون هذه الأعمال ويعرفون كيفية إدارتها. أما البنات فقد وجدن أنفسهن مهمشات كما ذكرت. رغم ذلك فقد حرص الآباء على تعليمهن أفضل تعليم وأتاحوا لهن فرص التعليم العالي داخل وخارج المملكة. لذلك فإن غالبية البنات دخلن إلى العمل في مجالات التعليم والصحة. عندما يتوفى الآباء تحدث المشاكل وتبدأ الفتيات في التساؤل عن السبب في تدني الدخل الذي كان يأتيهن وقد لا يدركن أن الأرباح عندما تقسم على الأبناء تقل نسبتها وربما كان والدها يخصها بأكبر من نصيبها. لذلك إذا لم يتم تأسيس الشركات بطريقة مؤسسة ولم تشارك البنات في إدارتها بحضور الوالد حتى يكون الداعم لها فسوف تحدث هذه المشكلات وقد تتفكك كثير من الشركات الناجحة بسبب شكوك البنات في حصصهن وفي أخوانهن. كارثة وشيكة الانفجار * أنت الآن على رأس هرم الغرفة التجارية والغرفة مرتبطة بالتوظيف. هناك عدد كبير من العاطلات عن العمل ما هي رؤيتك لهذه القضية والحلول المطلوبة لتوظيف هؤلاء الفتيات أو التعجيل بتوفير فرص عمل لهن؟ مشكلة توظيف الفتيات من المشكلات المستعصية في مجتمعنا ووزارة العمل مهتمة بها وهي على دراية بأن سبب ارتفاع نسبة البطالة في المملكة هو زيادتها في أوساط النساء. إذا نظرت إلى نسبة البطالة وسط الرجال في المملكة نجدها معقولة وبالمقابل نجدها مرتفعة وغير معقولة بالنسبة للنساء. هذا تحدي كبير. التقاليد والعادات من الأسباب التي تعوق دخول المرأة إلى سوق العمل. المرأة مضطرة للبحث عن العمل وسط الأقسام النسائية، ولكن هذه الأقسام تشبعت والدوائر الحكومية لم تعد في حاجة إلى مزيد من النساء. بالنسبة للمدرسات هناك أعداد مهولة منهن ويواجهن مشكلة كبيرة. أن توجد الدولة وظائف لمجرد توظيف النساء فيها فهذا يعني أننا نزرع بذور كارثة ستنفجر غدًا. لدينا نقاط ضعف في التوظيف ولا بد من مواجهتها. لا جدوى من الاعتماد على العدد وأن تذكر البيانات الحكومية أنه تم توظيف ألف سيدة مثلاً لأن كثيرًا من هؤلاء سيتوقفن عن العمل غدًا لأن الوظائف غير موائمة لهن. لا بد من تهيئة البيئة ودعم الشركات التي على استعداد لتوظيف السيدات. لا بد من أعطائها نوعًا من المزايا لأن من يستطيع أن يعبر هذا التحدي ويوظف السيدات فهو يقدم خدمة كبيرة للمجتمع. شروط وزارة العمل تساعد على توظيف المرأة ولكن المجتمع بعاداته وتقاليده غير مجز للشركات. عندما يطلب من الشركات أن تبني مباني خاصة بالسيدات فلن تكون قادرة على ذلك لاسيما إذا كان مصدر دخلها محدودًا. كذلك تطالب الشروط الخاصة بتوظيف المرأة بتوفير مدخل خاص لها أو مصعدًا مستقلاً. هذه أمور تؤثر على الأرباح وبالتالي على أوضاع الشركات . أما نحن في مجلس إدارة الغرفة فقد تجاوزنا هذه المرحلة وذلك بأن تم السماح للرجال والنساء بالدخول من مدخل واحد. من حق المرأة أن تدخل من المدخل الرئيسي لمكان العمل مادامت ملتزمة باللبس المحتشم. كل ما فعلناه هو أن خصصنا مكاتبًا للنساء في الإدارات المختلفة بحمام نسائي. المرأة تدخل من المدخل الرئيسي وتمارس عملها من مكتبها الخاص وعندما تجتمع مع زملائها أو رؤسائها من الرجال فإنها قطعًا تحافظ على الزي المحتشم. هذا هو الحد الذي يلتزم به الجميع. إصرار على الشورى * ولكن المرأة لا زالت محرومة من الوظائف القيادية؟ حتى في العالم الخارجي لا زالت المرأة محرومة من المناصب القيادية. لكن نحن لا زلنا نصر على أهمية تمثيل المرأة السعودية في مجلس الشورى. هذا حق يطالب به الجميع داخل وخارج المملكة. ولكن دعونا نبدأ بتوظيف الفتيات اللاتي تخرجن من الجامعة ولم يجدن فرصًا للعمل بسبب العادات والتقاليد ومزاعم الاختلاط. معظم هؤلاء إن لم يكن كلهن بحاجة فعلية للعمل. في المصانع المختلفة هناك نسبة عالية من توظيف النساء، سواء في جدة أو في الرياض وذلك لإمكانية إنشاء أقسام خاصة لهن على خط الإنتاج. كذلك يتم توفير مواصلات لهن توصلهن إلى القرى القريبة من المنطقة الصناعية مثل بحرة وحدا. هناك سيارات تأخذهن يوميًا من الصباح وترجعهن آخر اليوم. نطالب الجهات الحكومية بأن تدرك الخطورة المترتبة على عدم توظيف النساء. قرار خاطئ * هناك قرار صدر من مجلس الوزراء بتأنيث العمل في المحلات التي تبيع الأغراض النسائية. كيف تقرئين هذا القرار وما هي وجهة نظرك فيه؟ هذا القرار خاطئ. لا ينبغي العمل بمبدأ الأبيض والأسود. كثير من المواطنين يقفون ضد القرار. لماذا لا يكون لدينا إمكانية الاختيار وألا تصبح الخيارات محددة فإما أن تصبح كلها نسائية أو رجالية؟ عندما صدر هذا القرار جاءنا كثير من التجار القدامى الذين قضوا عشرات السنين في هذا العمل ولهم محلاتهم في شارع قابل مثلاً أو البوادي. هذه تجارتهم. كيف يمكن أن تقف المرأة في شارع قابل مثلاً لتبيع الملابس الداخلية. أين يذهب الرجال الذي يعملون في هذا المجال؟ لا بد أن نفتح الباب اختياريًا للنساء اللاتي لديهن الرغبة في العمل في هذا المجال. وظيفة البيع ينبغي أن تكون للرجل أو المرأة. ما هو الخطأ في أن تجلس المرأة أمام الكاشير أو وراءه؟ في المركز لدينا صورة رجل أمام الكاشير وبجواره زوجته وهناك سيدة تقف بعيدًا. هناك صورة أخرى تجلس فيها المرأة أمام الكاشير وفي الخلف يبدو الرجل. ما هو الفرق؟ أحيانًا فإن سوء الظن يكون هو المسيطر على جميع تصرفاتنا. لا نحسن الظن في أي موضوع. هناك محلات قامت بتوظيف النساء كبائعات ونجحت في ذلك والحمد لله. المختبئون وراء الستار * كيف ترين حضور المرأة في أماكن العمل التي يوجد بها رجال، ألا يمكن أن يشكِّل ذلك تصادمًا مع المؤسسة الدينية؟ إذا كانت المؤسسة الدينية التي تهتم بحماية المرأة وحصولها على حقوقها ومقتنعة بأن المرأة جزء من هذا المجتمع ولها حقوق مساوية لحقوق البقية، وتدرك بأن المثل الأعلى للمرأة هي السيدة خديجة بنت خويلد وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما. هذه المؤسسة الدينية لديها قناعة بأن المرأة مهمشة. أما إذا كان هناك فكر آخر يختبئ وراء المؤسسة الدينية ويريد أن يمارس أدوارًا فيها ظلم وعدم معرفة واجبات أو غمط للحقوق فهذا لا يهمنا. هؤلاء موجودون ويختبئون وراء ستارات أخرى. لكن جميعنا يدركهم ويعلم أن الدين الإسلامي الذي نشأنا في كنفهم لا يقر أفعالهم. فرص متساوية * بصفتك ناشطة في حقوق المرأة وواجهة نسائية بارزة ما هو رأيك في قضية قيادة المرأة للسيارة؟ أستغرب حقيقة من هذا الأمر للأسف الشديد. السيارة بالنسبة للمرأة حاليًا لا تختلف عن الثلاجة أو التلفزيون أو أي من الوسائل التكنولوجية. السيارة وسيلة للإنسان ليصل بها من مكان إلى آخر. فجأة أصبحت السيارة شيئًا آخر وكأن المرأة إذا ركبتها سيحدث نوع من التخلي عن المبادئ والقيم العليا. لا أدري لماذا هذا الربط أو من قام به. إن الأمر لا يخلو من سوء الظن. عندما عملنا استمارة في مركز السيدة خديجة بنت خويلد على فئة كبيرة من المجتمع في جدة وتساءلنا عن السبب في عدم استعدادنا لأن تقود المرأة السيارة. 69% من النماذج قالت إن السبب والخوف عليها. إذن الأمر ليس دينيًا لأن المجتمع قال ذلك. كثير من الناس يخافون على نسائهم وبناتهم من قيادة السيارة لأن هذا الأمر غير معهود وغير مألوف. قد يأتي أحد ويصدمها لأنه غير متقبل لقيادة المرأة للسيارة. ظاهرة عالمية * كيف تنظرين لظهور حوادث كثيرة من العنف الأسري بوصفك ناشطة نسائية؟ العنف الأسري ظاهرة موجودة في العالم كله وليست سعودية. عندما ذهبنا إلى فرنسا ضمن وفد نسائي وجدنا أن نسب العنف الأسري مرتفعة لديهم كثيرًا وأن أغلبية حوادث العنف التي تحدث توجد داخل الأسر. كثير من النساء يتعرضن للضرب سواء من الأب أو الزوج. المرأة لها دور في هذه الظاهرة. الأم هي التي تربي الأبناء. لذلك لا بد من أن نتوقف عن تربية الأبناء على أساس أن حماية الأم والأخوات على عاتقهم حتى ولو كانت أخواته أكبر منه بعشرين سنة. لا بد أن نهيئ الطفل لاحترام المرأة. هذه المفاهيم تخلق مجتمعًا ذكوريًا. كثير من الأمهات يطلبن من أبنائهن مرافقة أخواتهم الكبار إذا أردن الذهاب إلى أي مكان. هذا الفكر الذكوري لا بد من التخفيف منه. لدينا في المملكة أعداد كبيرة من الذكور ولكنا نفتقد للرجال. عندما أقابل نماذج من جيل الوالد أجد أن لديهم احترام كبير للمرأة لا نجده في الجيل الحالي. كانت لهم ثقة كبيرة في النساء ويهيئون لها المناخ للانطلاق ويوفرون لها الحماية المطلوبة. وزارات بلا خطط * يلاحظ أن مسيرة الإصلاح الاقتصادي في المملكة قد بدأت من القمة ومن الأعلى عندما قام الملك عبدالله بسن بعض الأنظمة.. كيف ترين هذا الإصلاح وما هي النقاط التي ترين أهميتها؟ الفرص في بلادنا هائلة ومن يدركون هذه الحقيقة هم من يوجدون خارجها، أما الوصول إلى هذه الفرص فهو عملية صعبة لعدم وجود الوضوح اللازم. هناك خطط موجودة ويتم ذكرها في الصحف ولكن الأمر غير واضح. اكتشفت أننا نحتاج إلى نوع من التوجيه. ليست لدينا آليات واضحة في الوزارات يمكن الاعتماد عليها. نقرأ في بعض الصحف أن بعض الوزارات لديها خطط معينة ولكنا لا نجد تفاصيلها بالدرجة الكافية ولا أحد لديه المعلومة المطلوبة. القرار يصدر من الوزير ولكن آلية تطبيقه بواسطة الموظفين تحتاج إلى مراجعة. كذلك فإن آلية وصول الخدمات للمستفيد غير مفهومة وغير واضحة المعالم. في حال واجهت الآلية أو النظام تحديات فلا يوجد مسؤول عن إلغاء هذه التحديات. عندما تصدر نظامًا تعتقد بإمكانية تطبيقه ولكن عندما تبدأ في التطبيق تجد جوانب ربما لم تكن قد راعيتها أو وضعتها قيد الاعتبار. ليس لأنك واجهت تحديًا ما تلجأ لتغيير النظام. لا بد من مواجهة مزيد من التحديات في البداية. بهذه الطريقة لن نتمكن من إنشاء مدن اقتصادية.