بعد سلسلة مقالاتي عن (فتاة الخطيئة والأعراف المجتمعية القاسية) جاءني سؤال عبر الموقع الإلكتروني لجريدة المدينةالمنورة من قارئ يطلب مني أن أجيب عليه في المقال التالي والسؤال هو: هل أرضى أن أزوج ابني من فتاة جانح قد تابت؟ وحتى أكون صادقة مع القارئ، فأنا ليس لدي ابن أو ابنة حتى أقيس الوضع عليهما، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لدي تصور صادق للوضع لأن المسألة تنبني على ثقافة وفكر وتربية، فإذا كنت أرضى أن أزوج ابني الطائش في فترة مراهقته وشبابه بذات الخلق والدين، ليستقيم أمره فما الذي يمنعني من تزويج ابني العاقل المستقيم من فتاة تائبة وقد حسنت توبتها، ليستقيم أمرها؟ وحتى أقيِّم إجابتي، وأقيس مدى مصداقيتها سألت من حولي من أهلي ومعارفي ممن يملكون نفس الثقافة وذات التربية ولهم أبناء وبنات، فأجابوا بعد تفكير وتأمل بعدم ممانعتهم وأنهم لا يجدون في ذلك بأساً، كما وجهت السؤال إلى بعض الشباب منهم، الذي تردد بداية لوقوعه تحت التأثير المجتمعي لا الديني، ولكنه سرعان ما عاد إلى الصواب حين طرح عليه السؤال التالي: ألا تعرف شبابا قد ارتكبوا من الموبقات ما ارتكبوا ثم تزوجوا بفتيات مستقيمات، واستمرت حياتهم في أمان، فكان الجواب بأن هذه الصورة متكررة تكراراً بلا عدد ومن خلال المقارنة بين هذه الصورة المتكررة المقبولة، وبين الصورة المقابلة لها وهي الرفض المجتمعي للزواج من التائبة، اقتنع أن هذا الأمر بعيد عن الدين، لأن الخطأ والذنب في الشرع واحد عند الذكر والأنثى، وكذلك العقاب واحد. ومن الأدلة التي تثبت أن هذا الرفض المجتمعي للفتاة التائبة إنما هو من وحي الأعراف البالية، إن المجتمع أصبح يتقبل زواج الفتى من امرأة كافرة قد أسلمت، بغض النظر عن ماضيها مهما بلغت قتامته وفساده، بل أن بعضهم يتزوجها من أجل كسب الثواب والأجر، ومساعدتها على الثبات على الدين، وكم من الثناء يقدمه المجتمع على هذا الفتى الشهم!! فلماذا لا نكسب الثواب في الفتاة المسلمة التي تابت وأنابت وهي الأخت في الدين؟ ليس هذا فحسب، فكثيرون مازالوا يتزوجون بنساء كافرات لم يسلمن، والمجتمع إن رفض بداية، فإنه يقارع بأن الزواج من الكافرات أمر قد أحله الدين، فما يلبث أن يذعن ويرضى! فواعجباً هل حرم الدين الزواج بالمسلمات التائبات حتى نرى هذا الإحجام وهذا الرفض؟ ومن الأدلة التي تثبت انبثاق النظرة المجتمعية للمرأة من قلب العادات والتقاليد أن مجتمعنا مازال يحفل بزيجات كثيرة الزوج فيها يمارس الرذيلة بجميع أنواعها، والمجتمع يطالب الزوجة بأن تصبر وتحاول كسب زوجها وأن تأخذ بيده إلى طريق الهداية، وتبذل في ذلك كل جهدها حتى توصف بالزوجة الوفية، ومن أراد من الناصحين أن يكون منصفاً فإنه يذيل نصيحته بحقها في طلب الطلاق بعد أن تفشل كل محاولاتها في الإصلاح ولكن إن قلبنا الصورة وكان الشاكي رجلاً يشكو من سوء أخلاق زوجته وسيرها في طريق غير سوي، فإن الإجابة الفورية هي تطليقها في أسرع وقت حفاظاً على الأسرة وأمنها، ولم أسمع قط من ينصح الزوج بأن يخطو مع زوجه الجانح خطوات الهداية والصلاح التي تطلب دائماً من المرأة. ومن التعليقات التي استوقفتني على الصفحة الإلكترونية ذلك التعليق القائل: تريدونهم أن يخطئوا وعلينا أن نطبطب عليهم). لعل هذا القارئ، نسي أن حديثي منصب على الفتاة المخطئة التائبة، والخلق الإسلامي يقول: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون). فأنا لا أطالب بالطبطبة على الإنسان (ذكراً كان أو أنثى) المنغمس والمصر على الخطأ، بل أطبطب على الإنسان التائب الذي حسنت توبته وهذا هو النهج المحمدي الذي يجب أن نقتدي ونهتدي به. ولعلني أختم مقالي هذا بحديث نبوي يظهر كرم أخلاق النبوة مع التائبين ومنحهم الفرصة للتراجع إن شاءوا، وترك أمر الذنب بينهم وبين الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فناداه، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال (أبك جنون؟) قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اذهبوا به فارجموه) متفق عليه.