الأعمال العظيمة قدرة وإرادة. القدرة تمثّل البنية التحتية والدعم والإمكانات، والإرادة تمثل وضوح الرؤية، و تحديد الهدف بدقة، والعمل على بلوغه بأقصر الطرق وأقل التكاليف. وكثير من الناس والمجتمعات تمتلك قدرات هائلة لكنها تفتقد للرؤية والإرادة، فتصبح القدرة وبالا عليها، وبابا من أبواب الاحتضار الحضاري، وبعكس ذلك هناك من يملك إرادة قوية ولكنه لا يملك الدعم الكافي والقدرات التي تمكنه من تحقيق هذه الإرادة. و المشكلة الحقيقية لدينا تكمن في وجود القدرات وضمور الإرادات، وذلك هو الخسران المبين. أتابع هذه الأيام بشغف بطولة العالم لمناظرات المدارس 2010 التي ينظمها مركز مناظرات قطر الشقيقة، ويشارك فيها طلاب 58 دولة من دول العالم. والمناظرة يجتمع فيها فريقان يمثلان دولتين من دول العالم، يتم تحديد موضوع المناظرة لهما، ويقوم أحد الفريقين بدور الحكومة، في حين يقوم الفريق الثاني بدور المعارضة، ويتم تحكيم المناظرات التنافسية من قبل خبراء متخصصين، في حين يتم تحكيم المناظرات الاستعراضية من قبل الجمهور، ويتم في النهاية تحديد الفرق الفائزة ببطولة العالم. هذه البطولة هي البطولة 22 وربما كثير من جامعات ومدارس العالم العربي لم تعلم بهذه البطولة حتى هذه الساعة ؛ لأنها تعيش خارج حركة العصر. العجيب الغريب أن قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي لها مشاركة فاعلة في هذه البطولة، ولديها قدرة وإرادة في هذا الباب، وتقديرا لقيمة هذه البطولة أنشأت مؤسسة قطر وبتوجيه من الشيخة موزه المسند منظمة مناظرات قطر عام 2007 م، وبحسب موقع المناظرة على الشبكة العنكبوتية فقد نظمت مناظرات قطر حلقات نقاش وورش عمل لأكثر من 3000 طالب وعضو هيئة تدريس، وأدارت عام 2008م مناظرات بين المدارس والجامعات في قطر شارك فيها 400 طالب، وفازت بها كلية الطب بجامعة وايل كورنيل بقطر. التجربة القطرية تجربة ثريّة، ونافذة من نوافذ التواصل والمثاقفة مع المعرفة العالميّة المثمرة المحفّزة للعقول، التي ستكوّن قيادات المستقبل، وبيدها دفة التطوير والقيادة العلميّة. قطر هذا العام تولّت تدريب واستضافة الفريق الفلسطيني، وقدمت له الدعم والمساندة، وهو موقف تشكر عليه قطر، وستكون مشاركة الفلسطيني بابا من أبواب المقاومة الفكرية، ونافذة من نوافذ التواصل، والانتصار لثقافة الحياة ضد عدو شرس سرق الأرض، ويسعى اليوم لسرقة التاريخ، وتزوير الحقائق. المناظرات تواصل فعال بين ثقافات و شباب سيكونون في المستقبل قيادات فكرية وسياسية في بلدانهم، وفي هذا التواصل شحذ للعقل، ومعرفة بحجج الخصم، ومنهجيته في التفكير، وكسر لحواجز ثقافة الخوف، والتآكل التي قتلت طلابنا وأورثتهم الصمت و ضعف الحجة. لقد قدمنا كل ما نملك لأبنائنا في بطولات الرياضة، و إخفاقاتهم أكثر من إنجازاتهم، وعلينا أن نتعلم من أشقائنا القطريين ليكون لدينا مركز سعودي للمناظرات، يشارك في بطولة لن نخسر فيها أبدا. [email protected]