من المآسي التي يعاني منها الإنسان في هذه الحياة، رحيل من يحبهم، وغياب من يقدرهم، ووفاة من يربطه بهم نسب القرابة، أو نسب الأخوة والصداقة، أو نسب العلم والأدب.. وبغياب أعلام الفكر والثقافة تكون الخسارة موجعة، خاصة إذا كان الراحلون ممن كان لهم دور تاريخي في المشهد الفكري والثقافي للأمة. ولعلنا جميعاً قد شعرنا بذلك الحزن والألم لرحيل العلامة المؤرخ والباحث والأديب الشيخ عاتق بن غيث البلادي، الذي كان له الفضل العظيم، والأثر الكريم، في بحوثه الرائدة، ومؤلفاته القيمة، عن تاريخ وجغرافية الجزيرة العربية عامة، والحجاز ومكةالمكرمة خاصة.. ويكفي هذا الباحث المتميز فخراً معجمه عن معالم الحجاز، في عشر مجلدات، و(معجم قبائل الحجاز)، في ثلاثة مجلدات.. و(معالم مكة التاريخية والأثرية)، و(الرحلات النجدية)، و(المعالم الجغرافية في السيرة النبوية)، و(على ربا نجد)، و(الرحلة في بلاد العرب)، و(فضائل مكةالمكرمة وحرمة البيت الحرام).. وغيرها من إصدارات ومخطوطات.. قد يعجز عن القيام بها مؤسسات ثقافية، بما تمتلكه من وسائل وقدرات. ومما يشكر ويؤجر لهذا العلامة الباحث أن كثيراً من مؤلفاته قد تحرى ما فيها من معلومات من خلال البحث الميداني، حيث وقف على الآثار والمواطن، بنفسه ورحل من بلد إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، من أجل الوصول إلى معلومة هنا أو معلومة هناك.. فكان مرجعاً لأساتذة الجامعات وطلاب العلم في بحوثه ومؤلفاته واكتشافاته.. وكان أشبه بالسلف الصالح من العلماء والمؤرخين والمؤلفين. ولابد من الاعتراف بأن الشيخ عاتق بن غيث البلادي، لم يأخذ حقه من الاحترام والتقدير والتكريم في حياته.. وأقل ما يمكن أن نقدمه بعد وفاته تولي المؤسسات الثقافية طباعة مؤلفاته المخطوطة، وإعادة طباعة أبرز أبحاثه المطبوعة، لما تحفل به آثاره من فائدة كبيرة سواء في مجال التاريخ وجغرافية الجزيرة العربية والحجاز، أو في أنساب القبائل وتراجم الرجال.. أو في غيرها من جلائل الأعمال. ولقد سبق لنادي مكة الثقافي الأدبي أن قام بطباعة كتاب الشيخ البلادي (زهر البساتين.. في تاريخ البلد الأمين.. المستدرك على نشر الرياحين).. وكان للنادي رغبة قوية في تكريمه -يرحمه الله- كواحد من أعلام مكة الكبار، ومن البقية الصالحة لجيل جليل من علماء ومؤرخي هذا الوطن الكريم.. لكن الحالة الصحية للشيخ البلادي قبل وفاته حالت دون ذلك.. وسيقوم النادي، بإذن الله بتنظيم لقاء تعريفي واحتفائي بالراحل الكريم، تقديراً لما قدمه لمكةالمكرمة والجزيرة العربية وتراثها وتاريخها، من جهد عظيم.. وهو اقل ما يمكن أن نقدمه لأمثال هؤلاء لما لهم من آثار متميزة ولما بذلوه من عطاء.