* اذا كانت الرمزية لغة ابداعية لا يجيدها سوى الموهوبين بالفطرة ثم بالممارسة شأنها شأن الاعمال الابداعية الاخرى التي تتطلب الموهبة والحس الابداعي وقد بدأت من خلال الاعمال الأدبية والشعرية.. وانتقلت للصحافة في اوقات وحالات كان فيها التعبير يعجز عن البوح، والنطق يعجز عن الكلام وكانت تزعج من تستهدفهم ثم تراجعت لتحل مكانها اللغة الساخرة. فان الكتابة الساخرة هي كذلك نوع من الفنون الابداعية التي لا يستطيع كل من يريد دخول ميدانها ويكون كاتبا ساخرا حتى لو اراد ذلك ما لم تكن لديه الموهبة والحس الساخر اللذان يتفاعلان مع صاحبه ويقدم من خلالها عملا ابداعيا ونقداً لاذعاً لمحاربة الاخطاء والظواهر السلبية.. وهي الاكثر اقبالا لدى المتلقين. والكتابة الساخرة كما هو معروف تعتمد على رشاقة الروح ولياقتها واقتناص التعابير الاكثر تأثيرا وان يكون لدى اصحابها (كارزما) تجد قبولاً واسعاً لدى أغلب المتلقين الذين يرون في هذا النوع من الكتابة التعبير الذي يعجزون عن البوح به.. وهي وان كانت تحمل بساطة الاسلوب الا انها تتضمن عمق المضمون لاسيما عندما تكون عن خلفية علمية وثقافية وسياسية وغيرها.. * يرى الكثيرون بأن الكتابة الساخرة من اصعب انواع الكتابة وتحتاج الى جهد لالتقاط الافكار وتصويرها بالكلمات الفكاهية، وتتطلب روحاً مرحة بطبيعتها دون تصنع وقادرة على أن تلعب بمفارقات الكلمات واضداد المعاني لاحداث الاثر النفسي المناسب.. ولا يكفي ان يكون صاحبها مرحاً وفكاهياً فلابد ان يكون مبدعاً بالفطرة. * ان معظم الساسة والمسؤولين ورؤساء تحرير الصحف والمجلات والوسائل الاعلامية الاخرى لديهم حساسية شديدة من الكتابة الساخرة من خلال ما يثار فيها.. ولا يتمنون رؤية اصحابها ولا قراءة ما يكتبونه لكن عندما يبتعدون عن كراسي المسؤولية نجدهم اول من يبحثون عنهم ويتعطشون لكتاباتهم. * يقول الساخر المصري سمير الجمل: ان الضحك هو سلاح مصر الاستراتيجي وان السخرية هي سلاح مصر الاساسي في مواجهة اي أزمة، ولولا السخرية لانقرض الشعب المصري.. لكن ماذا عن محمود السعدني الذي يعتبر من ابرز ساخري مصر الذي وضعه الرئيس الراحل انور السادات في السجن لأنه قال: “الاول موتنا من البكاء وده حيموتنا من الضحك!!” ولأن الكتاب الساخرين مطلوبون لدى معظم المتلقين فانهم بذلك يشكلون روافد مالية لايرادات تلك الجهات التي يتعاملون معها.. الا ان بعض المسؤولين فيها يتجنبون التعامل معهم تلافيا للاحراجات فيكون تدني عدد المتلقين وتدني الايرادات .. وتلك اشكالية. اننا بحاجة الى الكتاب الساخرين المتمكنين في صحفنا ومجلاتنا ووسائل اعلامنا بالرغم من وجود العدد القليل جدا منهم ويحتاجون كذلك الى مساحة اوسع من حرية النقد الايجابي الذي يخدم مهام الصحافة ووسائل الاعلام. ويساعدنا لغسل انفسنا من الصدأ الذي اعتراها بفعل تراكمات الاحداث والركض خلف المصالح وبالله التوفيق .