اثنان واربعون كتاباً، بعضها في 10 مجلدات، هذا هو العمر الثاني للشيخ عاتق بن غيث البلادي المؤرخ النسابة الجغرافي الأديب، الذي غادر دار الفناء إلى دار البقاء يوم الاثنين 1/3/1431ه، ولد في خليص وضمته مقابر المعلاة التاريخية في مكةالمكرمة بعد أن عاش في ظاهرها منذ ولادته عام 1352ه، وقد أثرى تاريخها بما ألفه عنها، وبما صحح من أخطاء تاريخية، ولو كان الانتاج يقاس بالعدد لكان ما ألفه عاتق كل سنة مجلدا، أما إذا كان بالنفاسة والدقة فكل كتاب أخذ مئات الساعات وكل كتب عاتق كتابة علمية مدققة. عهد إلى السيرة النبوية فألف معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية وقد ترجم الى الأوردية وألف (المصحح في تاريخ مكةالمكرمة) تناول فيه جل ما كتب عن مكة بالتصحيح والنقد، وله في شعرائها (هديل الحمام في تاريخ البلد الحرام) وفي اعلامها (نشر الرياحين في تاريخ البلد الأمين)، وزهر البساتين المستدرك على نشر الرياحين) وفي فضلها (فضائل مكة وحرمة البيت الحرام) وفي الآثار (معالم مكة التاريخية والأثرية) وهو يدرج تاريخيا الى جانب جهود الجغرافيين القدماء كياقوت الحموي صاحب معجم البلدان والبكري صاحب معجم ما استعجم، والهَجَري صاحب التعليقات والنوادر، بل هو قد حدث معلومات هؤلاء بحيث لم يعد الباحث بحاجة للعودة اليهم بعد كتابه (معجم معالم الحجاز) الذي أخبرني قبيل وفاته أن طبعته الثانية على وشك الصدور، ويضاف اليه كتبه» على طريق الهجرة» ورحلات في بلاد العرب و»الرحلة النجدية» و»بين مكة وحضرموت» و»بين مكة واليمن» و»على ربى نجد» و»قلب الحجاز» وأودية مكةالمكرمة و»في قلب جزيرة العرب» و»بين مكة وبرك الغماد» و»خيبر ذات الحصون والنخيل» وكل تلك المواضع وقف عليها وحددها تحديداً دقيقاً ولم يعتمد على النقل عن غيره ولذا فهو جدير بوصف موفر العناء على الدارسين والباحثين. وهو موسوعي اذا ألف ففي الانساب له كتاب «نسب حرب» وهو أول من ألف في هذا الباب حديثاً حسب علمي، وبذل جهداً كبيراً في هذا الكتاب فليس له سابق، وألف معجم قبائل الحجاز وهو عن القبائل التي قطنت الحجاز من فجر التاريخ الى يومنا هذا، من وجد منها ومن رحل ومن انقرض، وله «معجم القبائل العربية» المتفقة اسماً المختلفة نسباً او ديارا وبهذا خدم الباحثين خدمة عظيمة في المؤتلف والمختلف بل قطع الطريق على اولئك الذين يربطون بين القبائل لمجرد الاتفاق في الاسم، ولم اطلع على كتابه «نهاية الدرب في نسب حرب:مستدرك ومناقشات» وقد حدثني عنه في مكالمة معه وادعو الله ان يكون قد انهاه. وفي القيم وشيم العرب ألف كتابه «اخلاق البدو» وآمل ان يقرأ هذا الكتاب اصحاب الفضائيات ليروا ان شيم القبائل ليست في الحزازات التي يملؤون بها بثهم. على ان من ابدع ما ابدع فيه البلادي تصحيح ما ورد في المؤلفات عن الجزيرة العربية وقد ضمن هذا كتابه (الميضاح) وقد كان في اصله تعليقات على تلك الكتب تم جمعها في هذا الكتاب، وهو يقتصر على ما ألف من أول القرن الرابع عشر الهجري، اما ما يتعلق بالتراث فله فيه كتاب «محراث التراث» وفي مكة كتابه»المصحح في تاريخ مكة» وقد صرح انه لم يستدرك الا على من يعتد بقوله واتخذ كتابه مرجعاً، وادعو الباحثين الى الرجوع الى هذه الكتب وبخاصة «الميضاح». وله في الأدب دواوين والأدب الشعبي في الحجاز وأمثال الشعر العربي وحصاد الأيام (ذكريات ومذكرات) وله مؤلفات أخرى لا يتسع المقام لها. عاتق البلادي جبل ثقافة هوى، ولكن ما تركه من مؤلفات سيظل عَلَما في رأسه نار: تراث موسوعي صحح الأخطاء، وكان مثالاً مشرفاً للمؤرخ الذي يمحص ويدقق ولا يأخذ قول من كتب من خارج بلادنا (عن هوى أو غرض) على أنه حقيقة والصواب غيرها، والأمل أن يأخذ تلاميذه وأولاده بهذا الإرث الكبير، وأن يؤسسوا ما يخلد اسمه ويبقي تراثه ولو ببقاء مكتبته وقفاً للأجيال. رحمه الله.