بُعيد احتلال العراق للشقيقة الكويت بأشهر قليلة، استضافتني إذاعة «مونت كارلو» وطرحت علي الكثير من الأسئلة التي تتعلق بذلك الحدث المؤسف والاحتلال الغاشم، وكان من الطبيعي أن أرد بلهجة قاسية تتساوى مع مستوى الحدث. وأتذكر أنني أجبت على سؤال حول سبب قطع العلاقات مع العراق «بأن خلافنا مع العراق يُعادل الخلاف مع إسرائيل، فكلاهما مغتصبان لأراضٍ عربية، ولن تعود العلاقة مع أي منهما إلاَ بعد زوال الاحتلال». مناسبة هذه المقدمة هي الضجيج الإعلامي الذي صاحب المصافحة التي تمت بين الأمير تركي الفيصل وبين نائب وزير الخارجية الإسرائيلي «داني ايلون» في مؤتمر ميونخ، وهي المصافحة التي وجدت مناخاً مناسباً لدى أعداء المملكة، فروجوا لها في محاولة يائسة للنيل من سمعة ومكانة المملكة، ومن الرمز (تركي الفيصل) الذي لم يجد بداً من مصافحة المسئول الإسرائيلي الذي ترجل من منصة الخطابة وذهب إليه مخترقاً الصفوف مبدياً أسفه على تصريحات أطلقها تُجانب الحقيقة، فهل المصافحة مع الذين نختلف معهم تعني الاعتراف أو حتى القبول بسياساتهم أو التطبيع معهم؟. تركي الفيصل بوصفه عربياً قبل أن يكون مسئولاً، يُعد صاحب قضية، وفلسطين وكذلك الأراضي المحتلة الأخرى قضيته تماماً كما هي كذلك بالنسبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس ومن قبله الراحل ياسر عرفات وغيرهم، وإذا كان أصحاب القضية الأساسيون يلتقون مع قادة الاحتلال كما تقتضيه مصلحة التفاوض ويتصافحون على مرأى من الجميع، فما هو ذنب الذين يتحين الإسرائيليون الفرص لمصافحتهم وإحراجهم؟! أمَا مسؤول القسم الإعلامي بإحدى السفارات العربية في لندن الذي أخذ على عاتقه مسألة ترويج هذه القصة التي نشرتها صحيفة (هارتس) الإسرائيلية عبر رسائل الكترونية على رفاقه فلم يجنِ غير الخزي، وهو لايتوق في حقيقة الأمر إلى مصافحة ذلك المسئول الإسرائيلي فحسب، بل يتمنى أن يُصلح من (ربطة) عنقه لكي ينعم ولو بصورة تذكارية له في (أرضهم المغتصبة) التي مضى عليها (33) عاماً تحت الاحتلال. قدرنا في هذه البلاد التي تميزت بسياساتها المتعقلة والقيادة الحكيمة أن ندفع ثمن السياسات الخرقاء التي يعمد إليها الآخرون الذين لايدركون مدى المخاطر التي يتعرضون لها عندما يُصرون على إشعال فتيل الحرب ولا يصغون لنصائح الحكماء. فاليد التي مدها (تركي الفيصل) ل(ألون) في مصافحة عابرة، كان قد دعا إلى مدها بشكل إيجابي خادم الحرمين الشريفين إذا ماوافقت إسرائيل على إعادة الأراضي المغتصبة لأصحابها الشرعيين، وفقاً لمبادرته التي طرحها (الأرض مقابل السلام). سيظل (تركي الفيصل) بما له من ثقل سياسي «هرماً» لاتهزه رياح الحاقدين، وحاملي الصكوك لأراض لاتشملها جغرافيتهم بعد أن هبت عليها رياح التغيير , وإنَ بعض أيادي بعض الأنظمة العربية التي نصافحها لاتختلف كثيراً عن يد «آلون» فلا يميزها سوى أنها تعمل في الخفاء.