أصبح تضخيم وإثارة التجاوزات السلبية من الأفراد أو الجماعات أو القطاعات العامة والخاصة، بما في ذلك الجمعيات الخيرية ظاهرة في وسائل إعلامنا المقروء صغُر هذا الحدث أو كبُر، مقصود أو غير مقصود، فيخلق الإعلام منه سجالاً فيصيِر من الحبة قبة كما يقال بالمثل المديني، أي يعطي الحدث أي حدث أو تجاوز من شخص أو من جماعة أكبر من حجمه من التهويل والتهليل ويأتي بالمقابل تحليل وتطبيل من بعض الكتَاب مما يزيد الطين بلة فيصبح الحدث الصغير بما يطرأ عليه من إضافات متشعبة حديث الركبان يتناوله المجتمع أياما وليالي بهدف أو بدون هدف بأساليب مختلفة منها ترحب بتهويل الصغائر لغرض في نفس يعقوب وأخرى تسير مع الركب حيث سار دون تروٍ، مما يعكس صورة سيئة جداً عن المجتمع وسلوكياته، ويعطي للمتابعين من خارج الإطار انطباعا غير محمود عن المجتمع السعودي بينما فضائل الأعمال وهي السمة الغالبة في المجتمع السعودي ولله الحمد إن أشير لها في بعض صحفنا يشار إليها باقتضاب مقلٍ أو تلميح مخل. أما صغائر السلبيات فتبرز بإسهاب مملّ فالمتابع لهذه الظاهرة يتساءل هل كان بالأمس القريب الذي لا يرى فيها هذه الشطحات هو بسبب من يشرفون على هذه الصحف الذين لا يتركون واردة ولا شاردة إلا يضعونها في الميزان العقلاني إما لقوة الرقابة عليهم أو ترفعهم عن الترهات وحرصهم على عدم نشر ما يخدش الحياء الاجتماعي ويعكس صورة مهزوزة عن المجتمع السعودي، أو أن مردّ ما يحدث حالياً وجود انفلات بعض القيم عند المجتمع في مختلف شرائحه يبحث عن كل جديد حتى لو كان مخلا بهذه القيم أو تلك، ووجدت بعض الصحف المحلية أرضاً مناسبة لقبول الغث والسمين حتى لو خدش الحياء الفردي أو الاجتماعي فأصبحت تتسابق إلى نشر توافه الأخبار السلبية مهما كان نوعها بصورة ملفتة للانتباه و تقسر القارئ إلى متابعتها. ومثال قريب لتهويل الأخبار السلبية هو ما نشر قبل أيام بإحدى الصحف عن شابة مبتلاة بمرض نفسي ارتدت بنطلونا رجالياً وخرجت من دار أهلها وتوارت عن رجال الأمن بحوش بالحوية بالطائف إلا أنهم ألقوا القبض عليها. فماذا يستفيد القارئ الذي استوقفه إبراز الخبر «ببنط» كبير وقضى وقتاً بقراءة هذا الحدث العظيم!، ويقاس على ذلك الكثير من الأخبار التافهة أو المسيئة لسمعة المجتمع السعودي التي تتصدر صحفنا المحلية.فالمشاكل الإدارية والمالية والتنموية والتعليمية وما يمسّ حاجة المجتمع هي الأولى بالطرح والمتابعة واقتراح الحلول بدلا من الاستمرار بإساءة مجتمعنا المحافظ من أنفسنا بإصرار. ومثال للطرح الإعلامي الواعي هو ما واكب كارثة سيول جدة في يوم التروية في شهر ذي الحجة الماضي من تحقيقات ومقالات ارتقت بمستوى المسؤولية وأيقظت كثيراً ممن يديرون دفة الأجهزة الحكومية وخاصة الخدمية منها من نعاسهم وبدأوا يتحسسون أنفسهم ويخاطبون الكراسي الدوارة التي يجلسون عليها وكأنهم يخشون مراقبتها لهم. فهكذا يريد القارئ الواعي الحريص على نضج معطيات بلاده، فكفى أيها الاعلاميون من نشر الغسيل فالله سمّى نفسه الساتر والستير.. والله المستعان.