عندما هممتُ بكتابة هذا المقال لإرساله إلى صفوة الصحف تراءت أمام عيني أحداث عدة، وشخوص كثُر، كلٌ منها قابلٌ لأن يكون موضوعاً يُطرق ومقالاً يكتب وحديثاً يُقال. ثم -برحمة الله- رجعتُ لنفسي وهُديتُ لرشدي، ووجدتُني وأنا على مكتبي أتلو قول الله تعالى (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا القُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ ومَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إنَّمَا هُوَ إلَهٌ واحِدٌ وإنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) ولا ريب أن هذه آية عظيمة ذكر بعض أهل التأويل عن الكلبي في ذكر سبب نزولها أنه قال: أتى أهلُ مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أرنا مَنْ يشهد بأنك رسول الله، فإنا لا نرى أحداً يصدقك ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر. فأنزل الله (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً....) الآية. قال ابن عادل -رحمه الله- في كتابه اللباب في علم الكتاب: (أعلم أن هذا الكلام دل على إيجاب التوحيد، والبراءة من الشرك من ثلاثة أوجه: أولها (قل لا أشهد) بما تذكرونه من إثبات الشركاء. وثانيها: قوله (قل إنما هو إله واحد)، وكلمة (إنما) تفيد الحصر، ولفظ الواحد صريح في التوحيد، ونفي الشركاء. وثالثها: قوله تبارك وتعالى: (وإنني بريء مما تشركون) وفيه تصريح بالبراءة عن إثبات الشركاء.)اه. ونُقل عن بعض العلماء (يستحب لمن أسلم ابتداءً أن يأتي بالشهادتين، ويبرأ من كل دين سوى الإسلام. لكن ربما تساءل بعضنا: ما كيفية شهادة الله لنبيه التي يمكن أن تكون حجة على هؤلاء الكافرين المعاندين؟ وهذا السؤال لا بد منه لنصل إلى فقه الآية. وأعظم ما وقفتُ عليه في هذا ما قال العلامة ابن سعدي في تفسيره إذْ قال رحمه الله (فالله حكيم قدير، لا يليق بحكمته وقدرته أن يقر كاذباً عليه، زاعماً أن الله أرسله ولم يرسله، وأن الله أمره بدعوة الخلق ولم يأمره، وأن الله أباح له دماء من خالفه وأموالهم ونساءهم، وهو مع ذلك يصدقه بإقراره وبفعله، فيؤيده على ما قاله بالمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة، وينصره، ويخذل من خالفه وعاداه، فأيُ شهادة أكبر من هذه الشهادة)اه. أما وقد تبين هذا كله، فاعلم أيها المؤمن أن صلاح قلبك مرده إلى تحقيق التوحيد. وتدبر مثل هذه الآيات وفقه ما انطوت عليه من بيان عظمة الله سبحانه، مع تلاوتها والقيام في الصلاة بها، كل ذلك ترزق به الطمأنينة في نفسك واليقين في قلبك ويورثك محبة عظيمة لله وهذا هو الذي يُنال به رضوان الله. وبحثتُ عن سر السعادة جاهداً فوجدتُ هذا السر في تقواكا فليرضَ عني الناس أو فليسخطوا أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا