ليس من النفاق في شيء أن يظهر المرء بأحسن ما يتسم به من خلق ويتخلق به فضيلة إذا كان في مقام القدوة أمام من يرى فيه مثلا وأسوة ، وليس من المراءاة أن يكون الأستاذ بين تلاميذه متنزها عن العيوب المخلة ، جاهدا في ستر ما ابتلي به من خصال مذمومة ، فإذا كان الإنسان بين أهله وولده فذلك أدعى في أن يجهد في إظهار الفضائل وستر العيوب ، واستقباحها ، والمبالغة في ذمها .. وما من امرئ إلا وفيه عيب أو عيوب ، ولكنه نقص في الفضيلة أن يعرف الإنسان من نفسه خلة سوء ثم لا يجتهد في التخلص منها واطّراحها .. ومن الناس من يرى أن من الشجاعة أن يكون الإنسان في الخلوة والجلوة سواء ، وأن حبس النفس على الفضيلة بين الناس ضعف في المنهج وانفصام في الخلق ، ونحن لا نخالف هذا المعنى إذا كان حسنُ المخبر كالمظهر ، والسريرة كالعلانية ، وأين هذا الرجل منا ؟ وأي الرجال المهذب ؟ والأمر في هذا دقيق ، فهنالك فرق بين صاحب الضمير الحيّ والنفس اللوامة الذي يعزم على الترقي في مدارج الكمال ، وخلع رداء التقصير ، وبين آخر لا يبالي بشيء من ذلك ، وإنما يظهر طيب الشمائل ليُمدح ويستُر بهذا عيبه ونقصه ، ولا يهمه رأي نفسه في نفسه ، فهذا انحدار بشرف النفس إلى قاع وحل. [email protected]