خلال زيارة لي الأسبوع الماضي إلى القاهرة قمت بزيارة الدكتور عبد العزيز حجازي، رئيس وزراء مصر السابق، في مكتبه، وكان عائدا لتوه من احتفال (عيد الشرطة) الذي ألقى فيه الرئيس المصري، حسني مبارك، خطابا شديد اللهجة دافع خلاله عن موقف مصر من بناء جدار على حدودها مع قطاع غزة بعد تكرار المواجهات بين حركة حماس وأجهزة الأمن المصرية على الحدود وتسلل عناصر إلى سيناء للقيام بعمليات تفجير واغتيالات بالمشاركة مع بعض بدو سيناء. والدكتور عبد العزيز حجازي تولى رئاسة الوزراء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات (كان وزيرا للمالية في عهد عبد الناصر)، وساهم في المشاورات المصرية العربية قبل حرب رمضان.. حينها كان العالم العربي يشهد تعنتا إسرائيليا كما هو عليه الحال اليوم، أدى إلى تعاون سعودي - مصري- سوري خلال تلك الفترة، وأوقفت السعودية البترول عن الدول التي أيدت الإسرائيليين خلال الحرب، وعلى رأسها أميركا التي نظمت جسرا جويا من أميركا إلى العريش، في سيناء، مباشرة لدعم الجيش الإسرائيلي وإيقاف تقدم المصريين داخل سيناء بعد أن انهارت معنويات الحكومة الإسرائيلية نتيجة لهزيمتها وعبور الجيش المصري إلى الجانب الآخر المحتل من قناة السويس واستعادتها جزءا من الأرض المحتلة.. وقال لي الدكتور حجازي إنه يتمنى أن يتمكن البلدان (مصر والسعودية) من تطوير التنسيق الجاري فيما بينهما بحيث يتوصلان إلى حلول مشابهة في نتائجها لما حققه الملك فيصل والرئيس السادات. فالعرب يواجهون اليوم وضعا صعبا للغاية، إذ إن إدارة أوباما، الرئيس الأميركي، أصبحت لا ترى في حل القضية الفلسطينية وإنهاء قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي أولوية لها وتنحاز بشكل واضح لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية وتحجم عن ممارسة أي ضغوط فعالة عليها، بل تنشغل، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، بأفغانستان وباكستان وإيران.. ولا تستطيع الدول الأوروبية ولا روسيا تقديم الكثير لتنشيط مسارات السلام والتفاوض بين العرب وإسرائيل نظراً إلى محدودية تأثيرها دبلوماسياً واقتصادياً على الإسرائيليين. وفي عدد أخير لمجلة (النيوزويك) الأميركية أشارت المجلة إلى أن الرأي العام الإسرائيلي لم يعد يهتم كثيرا بتحقيق السلام مع الفلسطينيين والعرب. فالمواطن الإسرائيلي أصبح يعيش في ظل استقرار وأمن يجعله غير معني بالحديث عن السلام. وقالت إن غزة أطلقت ثلاثة آلاف صاروخ خلال عام 2008 م أي ما معدله مائتان وخمسون صاروخا شهريا ولكن الغزو الوحشي الإسرائيلي لغزة أدى إلى تقليص هذا العدد إلى عشرة بالمائة خلال العام الماضي، بالإضافة إلى أن إسرائيل تمكنت عبر بناء السور حول الضفة الغربية والقدس من إنهاء تسلل الفدائيين الانتحاريين إلى أراضيها تماماً. ولست أدرى إذا كان العرب اليوم قادرين على إحداث (صدمات كهربائية) مشابهة لما سعى إليه السادات، أو القيام بعمل آخر مشابه لذلك.. فمنذ خروج مصر من المعادلة العسكرية مع إسرائيل وعجز الفلسطينيين عن الاستفادة من سنوات من الفرص لإقامة دولتهم، توسعت الرقعة الإقليمية التي تستغل القضية الفلسطينية لتحقيق أهداف بعيدة عن تحقيق أي إنجاز لهذه القضية ودخلت قوى إقليمية من خارج الإطار العربي، أبرزها ايران وتركيا، لتحقيق أهدافها عبر هذا المدخل العاطفي للعرب والمسلمين. وبالإضافة إلى ذلك واصلت الدول العربية الابتعاد عن بعضها البعض سعيا وراء تحقيق مصالح فردية، وأخذت دول عربية تتمزق داخلياً وتنشغل بأمورها الذاتية عن القضية القومية. يواجه العرب وضعا صعبا ومعقدا وهم يجتمعون في قمتهم القادمة بليبيا.. وليس من الواضح ما هي الإستراتيجيات التي يمكنهم الاتفاق عليها لمواجهة المخاطر الداخلية والخارجية، وما هو الموقف الذي يرغبون فيه تجاه ما يجري علناً وفي الخفاء من مفاوضات إيرانية مع إدارة ضعيفة في البيت الأبيض يستهدف الإيرانيون من ورائها الحصول على موافقة واشنطن لكي تطلق يدها في المنطقة لتكون القوة الإقليمية الأهم خاصة في الخليج، وما يمكن أن يكون الإسرائيليون يقومون به للوصول إلى تفاهم ضمني فيما بينهم والإيرانيين على هذا الأمر. قد يكون العرب، كما هي عادتهم، عاجزين كمجموعة عن الاتفاق على موقف موحد وإستراتيجية مشتركة.. والذي يتحدث منهم عن المقاومة عليه أن يمتنع عن الضحك على عقول الآخرين، فالذين سيقاومون لم يكونوا بانتظار أحد ليقول لهم أن يفعلوا ذلك، ولو كان ذلك بمقدورهم لفعلوا.. والأولوية في أي إستراتيجية عربية ثنائية أو ثلاثية أو جماعية يجب أن تكون عبر التشديد مرة أخرى على القضية الفلسطينية، وأن يظهر العرب عزمهم الجدي على فعل ذلك بالضغوط أولاً على الفلسطينيين للتوقف عن لعب اللعبة المقيتة التي قسمتهم إلى (رام الله) و(غزة)، وأن يدفعوا بالفلسطينيين إلى تقديم التنازلات لبعضهم البعض لتحقيق الوحدة فيما بينهم والتخلي عن الرعاة الإقليميين.. فبدون الوحدة الفلسطينية لا يمكن الوصول إلى حل لهذه القضية، واستمرار السكوت عن التمزق الفلسطيني سيؤدي إلى زيادة المخاطر على العرب جميعاً. هناك الكثير الذي يجب أن يفعله القادة العرب الذين سيلتقون الشهر القادم في قمتهم السنوية بليبيا، من أجل أنفسهم وشعوبهم.. فهل سيسعى هؤلاء القادة إلى التناول الجاد لقضاياهم أم سيواصلون جر شعوبهم نحو مستقبل مظلم أطلت بشائره على العديد من دولهم ؟.. قد نتشاءم، ولكن سنظل نعيش على الأمل.. لعل وعسى.