ترجلت من سيارتها, وامتطت درجات السلم المؤدي إلى محل بيع الشيش والمعسل، واندفعت بكل ثقة تخاطب البائع, الذي قفز من مكانه يترقب المارة خشية أن يراها أحد.. فتكون مصيبة! وبعد أن تأكد من خلو الشارع من رجال الهيئة وغيرهم فأغلق الباب, وبدأ بأخذ طلباتها. هذا الموقف حصل أمامي قبل عدة سنوات في المنطقة الشرقية, وقبل أيام تكرر المشهد لكن في الرياض، فقد دخلت فتاة لمحل بيع الشيشة وتبعها شاب في سن المراهقة!! ومن يجوب مقاهي الدول العربية، يلحظ كثرة المدخنات من الفتيات والسيدات على حدٍ سواء. حيث تدور رؤوس الشيشة والمعسل بين أفراد المجموعة في المطاعم والمنتزهات, وتختلط نكهات الدخان مع بعضها, فتصيب المحيطين بهم بالاختناق. هذا وغيره من المواقف جعلت فكرة تدخين النساء موضوع ذا أهمية فالأمر لم يعد حالة فردية بل تعداها إلى الظاهرة بين جيل البنات الشابات اللواتي ينجذبن لكل جديد وغريب. إن تدخين فتاة في عمر الزهور فكرة لم استطع استيعابها كيف تدمر صحتها وتطفئ بريق جمالها وشبابها من أجل نشوة قصيرة سرعان ما تذهب بها الرياح. غير أن شركات التبغ نجحت في تسويق صورة المرأة المستقلة والمعتدة بنفسها والناجحة في عملها والسعيدة في حياتها على أنها المرأة المدخنة، وأصبح شكل السيجارة مصمم بطريقة أنثوية جذابة.. يُذكر أن زوجين أقلعوا عن التدخين بعد أن لامسوا التغير السلبي للحالة الصحية لطائرهم (الببغاء الأفريقي ذو الجناح البرتقالي) الذي أصيب بحساسية في الصدر وأزيز مستمر ومنخار مسدود، لكن بعد أن أقلعوا عن التدخين وخلال مدة أسبوعين فقط تحسنت حالته وعاد لوضعه الصحي السابق.. قد يرى المدخنون بأن الإقلاع عن التدخين طامة كبرى، ويبررون ادمانهم على أنه يمتص غضبهم ويهدء بالهم فيبلون بلاءً حسناً مع اسرهم وفي اعمالهم!! لكن هل سأل أحدهم ما ذنب من يعيشون معهم!! شاهدت اعلاناً توعوياً جميلاً يصور تقليد الابن لأبيه في كل صغيرة وكبيرة حتى في تدخينه، مما أيقض الوالد من سباته ليكسر سيجارته ويقطع التدخين حرصا على ابنه.. إن ظاهرة مثل التدخين لا تحتاج إلى جهود فردية فقط للحد منها بل هي بحاجة إلى خطة شاملة كاملة يشترك فيها الجميع أفراداً ومؤسسات.. وقد خطت بعض الدول خطوات متسارعة للحد من انتشار هذه الظاهرة السلبية، بتقليل فرصة التدخين سواء في المؤسسات الحكومية أو الأماكن العامة مثل المطاعم والأسواق المغلقة وغيرها وذلك بسن قوانين تمنع التدخين فيها وتعاقب المخالفين.. إن الشروع بتطبيق بعض اللوائح والنظم وفرض العقوبات، والعمل على التوعية والتثقيف عبر الوسائل التعليمية والإعلامية، أمر يحتاج إلى تكاتف الجهود من قبل المعنيين بشأن التجارة والصحة والتعليم والإعلام، حتى نقلص من امكانية انتشار وتفشي آفة التدخين بين أبنائنا.. ولعلي لا أنسى دور المؤسسات الاجتماعية والتوعوية في إثارة الانتباه لهذه الظاهرة، والتحرك على الصعيد المجتمعي للحد منها وإعداد البرامج والفعاليات الحيوية لتخطي المدخنين هذه العقبة الكئود، ولنرفع شعار " ليس كلنا مدخنون.. لكن كلنا نتنفس" حتى لا تتكرر تجربة الببغاء المدخن في بيوتنا.. [email protected]