يبدو أن المدن التي وُصفت بالعروس أصبحت تتشاءم من هذا الوصف لأنه نذير شؤم عليها لحسد من مثيلاتها ربما ، أو لحظ سيئ يقف لها على أبوابها جراء الاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر ، ولكنها قدرة الله قبل كل شيء. جدة : عروس البحر الأحمر مرت بكارثة أعادت حسابات الكثير من المسئولين وهوامير المخططات ، الأمر الذي جعلها حاضرة وبقوة في أجندتهم عند الرغبة في إصدار التراخيص اللازمة تمهيداً للبدء في تهيئة المخططات للاستثمار ، ولكن – الحسابات – هذه المرة ستختلف كثيراً عما كان عليه الأمر في ما مضى. الأمين سيطبق النظام ليس بروحه – كما هو معتاد – بل بحرفيته – لمقتضيات الحال -، ومدير مصلحة المياه والصرف الصحي لن يُمرر أي مخطط ما لم يكن خارج بطون الأودية ، وإن سولت له نفسه تمريره فسيطالب بإنشاء تصريف للسيول تحفظ ساكنيه من الغرق مستقبلاً. ولكن متى حدث هذا كله ؟ حتماً بعد خراب مالطه ؛ لأن الواقع يعكس حالة من عدم التوازن بين ما هو مأمول من هوامير المخططات وأيديهم الخفية في الدوائر الحكومية ذات العلاقة بإصدار التراخيص ، وتمرير المخالفات دون رقيب أو حسيب ، وبين ما نشاهده– كمواطنين كادحين – ذهب جُل تفكيرنا في أسباب ارتفاع أسعار الأراضي ووصولها إلى أرقام فلكية تجاوزت الحد الذي يمكِّن الطبقة الوسطى وما دونها من الظفر بقطعة أرض ، ناهيك عن المبالغة في تكلفة الإنشاءات نتيجة الزيادة المستمرة في أسعار مواد البناء ، نعم انصب تفكيرنا في ذلك ، وتناسينا إما - غفلة أو جهلاً – أن الكثير من هذه المخططات تتوسد بطون الأودية. الطائف : عروس المصائف ، إذاً فهي كعروس البحر الأحمر لها من وصفها المشئوم نصيب ، والخوف كل الخوف أن يُصيبها ما أصاب ربيبتها جدة لأن كثيراً من المخططات في الطائف دخلت بورصة المزايدات على حساب الاستخدام الآدمي ، مما جعل المؤشر الأخضر– بحسابات المستثمرين الأحمر بحسابات المستفيدين– أن يطأ مجاري السيول من خلال ردم الأودية في غفلة من غياب الضمير ، دون تكليف أنفسهم إنشاء مصارف للسيول التي قطعوا طريقها كما يقطع الطرق صعاليكها. تخيل – أخي القارئ الكريم – أن يكون في مدينة واحدة أكثر من عشرة مُخططات تقبع في مجاري السيول ، نعم موجود ذلك في الطائف–المدينة الحالمة– الذي أتمنى ألاَّ نصحو من هذا الحلم على سيل عرمرم لا يبقي ولا يذر ، نعم هذا الكم الهائل من المخططات في بطون الأودية أكثرها بدون تصريف ، وبعضها الآخر بتصريف لا يتناسب وحجم السيول التي تجتاح هذه الأودية ولا يعرفها إلا كبار السن الذين عاصروا هطول الأمطار وسيلان الأودية قديماً. من هذه المُخططات الحديثة –على سبيل المثال لا الحصر – مُخطط النقاع الواقع على طريق الشفا النازل ، ومُخطط الجامعة بالقيم الغربي ، ومُخطط العارمية على طريق المطار وبه عبارات قام المالك بإغلاقها ، ومُخطط مسرة الجديد الواقع على طريق المؤتمرات باتجاه الهدا وطريق الملك فهد الدائري ، ومُخطط ابن ريحان بجوار كلية المعلمين سابقاً – كلية التربية - حالياً – ومُخطط القلت خلف مخطط الملك فهد ، أما من المُخططات القديمة فيقع حي اليمانية كأخطر الأحياء المنشأة في بطن وادي وج الشهير تأريخياً ، والذي أفاد الكثير من كبار السن أن منسوب المياه عند سيلان هذا الوادي الفحل يصل إلى باحة مسجد عبد الله بن العباس. وتدعيماً لما ذكرته فقد قامت جريدة المدينة في عددها رقم 17053الموافق 14/1/1431ه بتحقيق صحفي استنكر فيه عددٌ من المواطنين تجاهل الجهات ذات العلاقة في أمانة الطائف وفرع وزارة النقل لمعاناتهم خاصة وأن منازلهم واقعة على مجاري سيول الأودية ، في الوقت الذي أكد فيه الأمين أن تحديد مجاري الأودية من أهم الأمور الداعمة للتنمية والتطوير ، فإذا أخذنا كلام – سعادته– على محمل الجد ؛ فأين إدارته من المخططات التي أُنشئت في بطون الأودية ؟ولماذا صدرت تراخيصها للملاك دون التأكد من تكامل البنية التحتية لها ؟ولماذا جاء تصريح فرع وزارة النقل بالطائف – في نفس العدد المذكور أعلاه – مُخالفاً لما صرح به سعادة الأمين ؟ حيث أكد فرع وزارة النقل أن اللجان الفنية التابعة له رصدت تجاوزات تتمثل في إغلاق عبارات سيول الطرق التابعة لها . ولماذا تغيِّب مندوب فرع مصلحة المياه والصرف الصحي لمرتين متتاليتين عن اجتماعات اللجنة الخماسية التي بدأت أعمالها في الطائف كما ذكرت ذلك صحيفة عكاظ في العدد 3124 وتاريخ 19/1/ 1431ه ؟ولماذا جاءت دراسة أمانة الطائف الهيدرولوجية متأخرة إلى هذا الحد في الوقت الذي كان بالإمكان أن تقوم بها قبل أن يكتمل البناء في المخططات ، وتتعاظم إجراءات حلها ؟ وأخيراً ما هو مدلول مصطلحي التنمية والتطوير الذي يحمله فكر الأمين ويرى بثاقب نظرته أنهما داعمان لخططه المستقبلية؟ أسئلة كثيرة تبحث عن حلول جذرية من المسئولين في الوقت الذي يعيش فيه المواطنون رهبة الخوف من المستقبل المُظلم كلما تلبدت السماء بالغيوم ، وانهالت السحب بالأمطار، الأمر الذي يهدد مقدراتهم التي وضعوا فيها - تحويشة - العمر ، دون بوادر إيجابية للأجهزة ذات العلاقة للدور المأمول تجاه ما حدث واستباق الحلول للوقائع لما سيحدث من أمور قد لا تحمد عقباها. أمنية أتمنى ألاّ يكون لعروس الشمال – حائل – نصيب من وصفها المشئوم بالعروس كما هي حال جدةوالطائف ؛ لأن الوطن جميعه في قلوبنا إذا تألم منه جزء أصاب السقم بقية أعضائه. [email protected]