مثلما أنَّ هناك ابتسامة صفراء «خدَّاعة»، لا تُفهم هل هي صَادرة عن حُبِّ أم كُره، هُناك أيضاً كلام أصفر «يُضلِّل» السَّامِع، ويُسمّي الأشياء بغير أسمائها! وقد دَرج العرب على مِثل هذا «السّلوك اللغوي المُنحرف»، حيث يُسمّون «الأعمى» بَصيراً، ومَن لَدَغته الحيّة «سليماً»؛ بدلاً مِن «لديغاً»..! وغير ذلك مَن «التَّفاؤل الخادع»! وقد يُلاحظ الأحباب -مِن القُرَّاء والقارئات- القُرآن صَاحب المُعجزات اللفظيّة؛ يُسمِّي النَّاس بأوصافها.. ومَن مِنَّا لم يَقرأ «عَبَسَ وَتَولَّى* أَن جَاءَهُ الأَعْمَى»! أكثر مِن ذلك.. شَاهدتُ مُحاضرة -قبل سنوات طويلة- في نادي الاتحاد؛ ، عن التَّعليق الرّياضي، اشترك فيها صَديقنا المُعلِّق «النَّادِر» «أبومريم» محمد رمضان، -قمّصه الله ثوب العافية- والأستاذ القدير المُعلِّق «علي داوود».. فقال «أبومريم» في لفتة ذكيّة: «علي داوود» مُثقَّف، وأنا لستُ كذلك، لذلك أنا أُسمِّي «الأعور» أعور، بينما يُسمِّيه «علي» «أبوعين كريمة»! وقبل التَّعليق على القصّة، يجب الإشارة إلى أنَّ تعبير «أقول للأعور: يا أعور»، تعبير عَالمي مَشهور، وقد جاء في معجم الأمثال الإنجليزيّة جُملة: (Call a Spade a Spade)، والتَّرجمة الحرفيّة لهذه العبارة هي: «ندعو الأشياء بأسمائها»، ولكن القاموس يَشرح هذا المَعنى بقوله: (يقول الحق جهاراً بلا مُوارَبة)! هذا أولاً.. ثُمَّ ألا تُلاحظون أنَّ المُثقَّفين جُزء مِن المشكلة..؟! حيث يَستغلُّون سُلطتهم «المعرفيّة والرَّمزيّة» في تبرير الأشياء وتغيير مُسمّياتها..؟! وأكثر ممّا قلت سَابقاً، حدَّثني -أحدهم- أنَّه سَأل أحد أصدقائه؛ عندما أُصيب ب «حَول في عينيه»، سَأله عن «هذا الحَوَل».. فقال: هذا ليس حَوَلاً، إنَّما هو اختلاف في «زَوايا النَّظر».. كُلّ هذه القصص عَلى مَاذا تَدُل..؟! إنَّها تَدُل على كَمٍ كبيرٍ مِن التَّضليل اللغوي؛ الذي أورثنا –بدوره- فساداً فِكريًّا، أوصلنا إلى ما نَحنُ فيه مِن «الفساد الإداري»، حين نُسمِّي الأشياء بغير أسمائها.. وحتَّى لا يكون الكَلام «رجماً بالغيب»، ورمياً بالتُّهم، هالكم هذا التَّضليل اللغوي، الذي مَارسه القوم، حين سَمُّوا «بحيرة المِسك» بغير اسمها، حيث سَاهم الاسم في تَلطيف الجريمة وتَحسينها، بل أدخلها إلى «ذهنيّة المُجتمع» عَبر كلام جميل، ألا وهو: «خِتامها مسك»، وفي ذلك تَضليل مِن لُغتكم عَظيم! تصوَّروا أنَّ هذه البحيرة باسمها الحقيقي، ماذا ستكون النَّتيجة..؟! إنَّها ستكون فعَّالة، والمُسلم مَأمورٌ بإزالة الأذى عن الطَّريق! حَسناً.. ماذا بقي..؟! بقي القول: يا قوم.. أوقفوا الفساد اللغوي، وسمّوا الأشياء بأسمائها!.