أن تكون موضوعياً فهذا هو المطلوب مهنياً في الصحافة، أن تتبنى تطلعات البسطاء حتى يحصلوا على بعض حقوقهم، فهذه هي رسالة الصحافة، وشتان بين المعنيين ، فالجميع في الأولى يسعى ليضع أقدامه على الطريق الصحيح ، أما في الثانية فالأمر يتطلب حساً ووعياً بشؤون وشجون المجتمع لإيصال الصوت الضعيف إلى من يهمه الأمر. وقد دأبت (المدينة) وبشهادة الكثيرين على أن تكون صوت المواطن الضعيف ليصل إليه حقه ، واحتلت قضية ضعف رواتب المتقاعدين بالتأمينات الاجتماعية أهمية كبيرة في طرح (المدينة) طوال العام الحالي حتى بات بعون الله الطريق ممهداً أمام اعتماد زيادة رواتبهم التقاعدية بعد أن أقر مجلس الشورى مؤخراً هذه الزيادة في 16 نوفمبر الماضي، كما دعا المجلس أيضاً إلى استحداث حوافز إضافية لهم في حدود ما تسمح به حالة المركز المالي للمؤسسة، وزاد المجلس على ذلك بدعوته إلى إضافة مادة تمثل قاعدة عامة في نظام التأمينات الاجتماعية تحكم موضوع الزيادات والبدلات وفقاً لما نشر في 16 نوفمبر الماضي. وجاء ذلك ترجمة لما اقره المجلس في ابريل الماضى بزيادة رواتب متقاعدى التأمينات الاجتماعية بنسبة 30% في المجمل بمعدل 15% للرواتب ونفس النسبة لبدل غلاء المعيشة وذلك لمواجهة الاسعار وارتفاع معدل التضخم. والواقع أن إقرار هذه الزيادة في الشورى لم يكن أمراً سهلاً لمبررات عديدة حيث سبق وأن طالب المجلس بهذه الزيادة وقدم 4 توصيات على مدار فترات متفاوتة ولكن لم يقر منها اى شيء. ولعل المبررات التى لم تؤد الى نجاح مطالبات الشورى في السابق هى : 1- الموقف الصارم للدكتور غازي القصيبي وزير العمل ورئيس مجلس ادارة المؤسسة الذي كان يرفض أي زيادة على الإطلاق في رواتب المتقاعدين التي تبدأ من 1750 ريالاً إلى حد اعتباره أن هذه الزيادة او الاستجابة لدعوات الصحافة يمثل “خيانة للأمانة من وجهة نظره”. 2- رؤية القصيبي أن أموال المؤسسة أمانة من حق الأجيال المقبلة ونسيانه أن في جميع دول العالم يتم زيادة رواتب المتقاعدين بحدود 5-10% سنوياً لشعورهم بالتضخم في الأسعار مثل غيرهم. 3- لجوء البعض الى القول بأن هذه الزيادة يجب ان يتحملها القطاع الخاص الذى وقع مع المؤسسة عقودا تقضى بأن حقوق المتقاعدين هى العائد من الاستثمارات على اشتراكاتهم فقط دون اى اتيان على ذكر الزيادة لمواجهة متغيرات العصر. وفي الحقيقة أن موقف مؤسسة التأمينات الاجتماعية ومحافظها سليمان الحميد لم يكن أقل صلابة من وزير العمل إذ ترى المؤسسة أنه ليس من حق الصحافة أن تتطرق لهذه الموضوعات. ارتفاع الأسعار والواقع أنه في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار في السنوات الثلاث الأخيرة بنسبة تراوحت بين 20-50% في أغلب مجالات الحياة حرصت (المدينة) على تسليط الضوء على معاناة متقاعدي التأمينات ففي 4 مايو الماضي نشرت تحقيقاً تحت عنوان (متقاعدو التأمينات.. افترسهم الغلاء وخذلتهم زيادة الرواتب) أكدت فيه جمعية حقوق الإنسان أن مبررات التأمينات لرفض الزيادة تعد غير مقبولة، وكانت المؤسسة رأت ان الزيادة ليست من صلاحيتها وأنها تريد تمويلاً من الدولة لهذه الزيادة في الرواتب. وتساءلت في التحقيق المنشور د.سهيلة زين العابدين عضو الجمعية عن الفائض الذي حققته المؤسسة والبالغ 15 مليار ريال وفقاً للتقرير الذي قدمته (التأمينات) الى المجلس وذلك من إجمالي إيرادات بلغت 37 مليار ريال. وواصلت بالقول (كيف يمكن للمتقاعد الذي ليس له مصدر رزق آخر أن يتدبر حياته بهذا المعاش البسيط إذا أحجمت المؤسسات المعنية عن التصدي لمعالجة هذا الوضع). أرباح المؤسسة لمن ؟ وعادت (المدينة) بزخم أكبر لطرح الموضوع في تحقيق من حلقتين في 24 أكتوبر الماضي بعنوان (ثلث متقاعدي التأمينات الاجتماعية يعيشون على المساعدات الخيرية) وفيه أكد عدد من المسؤولين عن الجمعيات الخيرية أن نسبة كبيرة من الذين لا تتجاوز رواتبهم التقاعدية 2500 ريال يتم مساعدتهم عبر الجمعيات لعدم قدرتهم على مواكبة الاحتياجات المعيشية المتزايدة ممثلة في الإيجارات التي شهدت زيادة قدرها 30% في الأعوام الأخيرة. ويقدر عدد الذين يتم مساعدتهم عبر الجمعيات حوالى 70 ألف مستفيد من إجمالي 223 ألف متقاعد تخدمهم المؤسسة ويصرف لهم 6 مليارات ريال سنوياً. ووفقاً لتقرير المؤسسة للعام الماضي فإنها تستثمر 40 مليار ريال في العديد من القطاعات منها 17 مليار في البنوك والشركات الصناعية 9 مليارات ريال. وفي ظل “الصمت الرهيب” والموقف الصلب للتأمينات طالب عدد من المتقاعدين مسؤولي التأمينات بالإتيان (بورقة وقلم) لاحتساب كيفية صرف هذا الراتب الضعيف على الاحتياجات الرئيسية لهم طوال شهر كامل. وكالعادة جاء موقف التأمينات رافضاً التعليق على المشكلة وكأنها «سر لا يجب الاقتراب منه». وفي الحلقة الثانية من التحقيق أشرنا إلى أن 25 ألف متقاعد يتقاضون أقل من ألف ريال شهرياً وتطرقنا إلى المطالب الملحة لجمعية المتقاعدين التي رأت ضرورة رفع الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين إلى 3 آلاف ريال لمواكبة التضخم وارتفاع الأسعار وسط خلاصة جاءت بعنوان (إنقاذ متقاعدي التأمينات.. بالأرباح أو زيادة الرواتب) وقد انحاز مجلس الشورى بالفعل إلى الجزء الثاني وهو زيادة الرواتب ونتمنى أن يتحقق ذلك على أرض الواقع قريباً مع الارتقاء بالخدمات المقدمة للمتقاعدين بشكل عام. وفي هذا الصدد اشارت (المدينة) الى دراسة اجراها الباحث راشد سعد الباز بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية وفيها رأى اصحاب المرتبات دون 2500 ريال يعيشون بدائرة الكفاف ويستحقون مساعدة التأمينات الاجتماعية. واوضح ان بعض الخدمات التى كانت في السابق متطلبات غير ضرورية اصبحت من الضروريات الملحة في الوقت الراهن مثل الهاتف الثابت والجوال والسيارة.