حتى وقت قريب كان منظر تلبد السماء بالغيوم ، يولد الفرحة لدى كل أهالي ( العروس ) ،لكنها تحولت اليوم إلى مايشبه « الفوبيا « بمجرد رؤية قطعة صغيرة من الغيوم تحبس ضوء الشمس ، وأصبح سكان مدينة جدة يفضلون الجلوس تحت أشعة الشمس على الاستمتاع (بفيء) السحاب .. ويلازمون مساكنهم حتى انقشاع السحب .. ونحن نظل ندلي بدلونا ، ونخوض في مسألة تلك الفاجعة وسط الصمت المطبق من قبل اللجنة التي شُكلت لدراسة أسباب تلك الكارثة ، وهو صمت أعتبره ( متعقلا ) لايترك مجالاً للتخمينات ، ويتطلع إلى أن يقدم تقريره الكامل بكل مصداقية ، وبكل حياد . ولكن هذه الصحيفة جعلتنا نقف على ماتم ويتم في المناطق المنكوبة عبر تغطيتها الرائعة ، وقصصها الإنسانية ، وكشفها لبعض الأعمال البطولية التي قدم أصحابها خلالها حياتهم رخيصة في سبيل إنقاذ الآخرين ، الأمر الذي دعانا إلى التواصل في هذه المسألة ، وليس أدل على ذلك من « ملاك « . هي تضحية بلا شك أقدمت عليها طالبة المتوسطة ( ملاك ) ، فحينما أقدمت على تحدي ذلك الطوفان ، لم تكن لتلقي بالا للمخاطر التي قد تنجم عن ذلك التحدي ، ذلك لأنها رهنت حياتها بحياة والدها وأخيها اللذين كانا يستنجدان بالمارة لإنقاذهما من الغرق ، فكانت نعم المنقذ ، حيث كسرت كل الأغلال التي كانت تقيدها وتبقيها (كشاهد عيان ) على ضياع أغلى الناس عليها ، ورفضت مشهد غرق الأنفس الأخرى التي كانت تنظر بإعجاب لمجازفتها وهي تعين والدها وشقيقها على تجاوز محنتهما وتنقلهما إلى (بر الأمان) .. فركبت (ملاك) الصعب ، وتجاهلت كل قوانين « الأعراف والتقاليد « إيماناً منها بقول الله (عز وجل ).. « ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا « وبادرت إلى سيارة والدها الأخرى ، وأظهرت شجاعة قل نظيرها بين أولئك الذين كانوا يرصدون ذلك المشهد البطولي من على بعد ، معتمدة بعد الله على إلمامها بقيادة السيارة التي أتقنتها – كما قالت أثناء حديثها الصحفي لهذه الصحيفة – أثناء رحلات البر . ويحق لوالدها بأن يفخر ، وأن يبارك لنفسه خطوته في تعليم ابنته ( قيادة السيارة ) ، حيث صنع منها – بعد الله – طوق نجاة له ولشقيقها ولآخرين كانوا أقرب للموت من الحياة . لقد صنعت ( ملاك ) تحولا مشهودا في قرار « قيادة المرأة للسيارة « نلمسه على استحياء بين بعض أفراد المجتمع ، حيث وجدوا بعض إيجابيات في تحقيق ذلك ، وأنا وكذلك والد ( ملاك ) لانشجع المرأة على قيادة السيارة بذلك السفور الذي نشهده في كل بلاد الدنيا ، ولكننا في نفس الوقت نشجع على التعلم تحسباً للظروف . واسمحوا لي بأن أسوق عليكم بعض القصص التي عايشتها عن قُرب ، : حدث مرة أن سافر شخص إلى المدينةالمنورة وبصحبته عائلته المكونة من زوجته وثلاث بنات وصبي في السابعة من العمر ، وفي منتصف الطريق أُغمي على رب الأسرة ، وتصادف ذلك مع مرورنا ، فاستنجدت أسرته بنا ، فقمنا بتكليف أصغرنا سناً بقيادة سيارة الأسرة , وسرنا خلفهم حتى أوصلناهم إلى مستشفى محافظة ( بدر ) .. الحادثة الأخرى كانت لقريب لي ، سافر إلى ينبع ترافقه زوجته وشقيقته ، وبعد أن تجاوز منطقة ( مستورة ) بحوالي ( 30) كم أُصيب « بمغص كلوي « ترك على أثره عجلة القيادة وخرج يتقلب من شدة الألم على الأرض تحت ذهول عائلته، فاتصلت أسرته بالإسعاف الذي بدوره لم يحضر إلا بعد ثلاث ساعات ، السؤال هنا : هو . لو أن هناك ( ملاك ) أخرى بين أفراد تلكما العائلتين ، هل كانتا تتعرضان لمثل هذه المواقف ؟!.. أعود لأقول ، إنني أشجع على مسألة تعلم المرأة قيادة السيارة للاستفادة منها عند الضرورة ، « فعند الضرورة تباح المحارم « أقول ذلك قياسا على تعلم الرجل « الرماية « ، فالهدف من تعلم الرماية ليس من أجل تخريج ( قتلة ) ، بل من أجل الدفاع عن النفس ، وعن الوطن عند الضرورة.