- القَطة يا أستاذ؟ - أي قَطة...؟! أجاب متسائلاً رافعًا رأسه عن دفتر الدوام.. - فكان الرد: 200 ريال يا أستاذ من أجل زراعة ملعب المدرسة للطلاب وأيضًا لكي يكون متنفسًا مسائيًّا للمعلمين.. وكونه من عشّاق كرة القدم استحسن الفكرة لدرجة إدخال يده في جيبه قبل الرد بالإيجاب.. بحث عن المحفظة؛ لكن لإنه من معلمي هذا الزمان لم يجد مبلغًا كافياً لإكمال 200 ريال، تذكر الأوضاع المادية: الإيجار السكني حيث يعمل خارج الديار، الفواتير، السيارة، البنزين الذي يأخذ النصيب الأكبر من راتبه، القرض. وبعد هذا المشوار البسيط من التفكير واستعراض أحواله الاقتصادية الصعبة.. - (غدًا سأحضر القطة يا أستاذ) وهو يوجه كلامه لزميل مهنته صاحب العشرين عامًا من الخدمة وصاحب المنزل المجاور تمامًا للمدرسة.. خرج للفناء شاقًا الصفوف الطلابية وسط سحب الغبار التي تنبعث من أرضية الملعب، وتعكر مزاج الصباح، لكنها أي السحب تختفي تدريجيًا مع انتظام الطلاب شيئًا فشيئًا في صفوف الطابور على أصوات معلم التربية البدنية الذي هو الآخر أعيته الغربة وبُعد النقل، ومع بدء العد الروتيني واحد.. اثنان.. ثلاثة.. أربعة كان رفيقه في آخر الطابور يستسلم بقوة! حيث سلم نفسه مع نسيم الصباح طواعية وترك كل جوارحه مع موجة سرحان طويلة إلى هناك.. حيث المكان والزمان والأحلام والآمال والتطلعات، أقلعت طائرة القلب ورفرف العقل بجناحيه مبتعدًا هناك اختفى صوت العد وغاب منظر التمارين الصباحية في اللاشعور وصارت المدرسة في البقعة العمياء بالنسبة لعينيه من شدة التركيز في رحلة القلب والعقل والحواس..، بعد زمن لا يمكن تمييزه بوحدات الزمن المعروفة - ثانية دقيقة ساعة يوم شهر سنة- عاد القلب إلى قواعده واستقرت الحواس كل في مكانها وعاد العقل من جديد عندها كان يوقع آخر توقيع له في المدرسة حيث أدركه قطار النقل وشمله التوفيق بالرحيل من هذا المكان خرج حاملاً ورقة الوداع المختومة إلى جهة معلومة، وكله غبطة وفرح وسرور ولم يعكر مزاجه شيء سوى الغبار الذي تثيره خطاه وهو يشق طريقه من وسط ملعب المدرسة متجهًا لبوابة الخروج.