يدرك المسؤولون في وزارة الخدمة المدنية ما يعانيه موظفو السلم العام من جمود وظيفي كان مثار الاستغراب الذي وصل حد الدهشة أن كثيراً منهم ظل يراوح في مرتبته الوظيفية أكثر من عشرين عاماً دون ترقية أو علاوة وقد تحدثنا عن ذلك كثيراً واستبشرنا بالتوصيات التي رفعت للجهات العليا، وتضمنت حلولاً لفك الجمود الوظيفي. وظل الموظفون الخاضعون لهذا النظام على أمل يترقبون لحظة خلاص خاصة وهم يرون جميع السلالم الوظيفية قد شملها التغيير والتبديل ببدلات وزيادات عدا هذه الفئة التي لا يعلم سر تجاهلها رغم أنها تشكل نسبة كبيرة من موظفي الدولة. ولم يتوقف الأمر عند الجمود الوظيفي بل تعداه إلى الكثير من القيود التي فرضها نظام الخدمة المدنية على الخاضعين له سنذكر منها عدم تشجيع الموظفين على زيادة تحصيلهم العلمي فقد منحهم إجازة لأداء الاختبارات لكنه في الوقت ذاته حرمهم من احتساب الخدمات التي قبل المؤهل مما يعني عدم الاستفادة من الحصول على مؤهل أعلى وفي ذلك تثبيط لعزائم الراغبين في الحصول على درجات علمية تجعلهم أكثر تأهيلاً للعمل الوظيفي كما ربط الموافقة على الدراسة بجهة العمل مما جعل بعض الجهات تتعسف باستعمال هذا الحق فترفض منح موظفيها موافقة على الدراسة. ومن قيود النظام أيضاً أنه حرم الخاضعين له من تحسين وضعهم المعيشي خارج وقت الدوام الرسمي . ولم يسمح سوى لفئة بسيطة جداً كأصحاب الحرف من نجارين وسباكين فاضطر بعض الموظفين أمام ضغوط الحياة المادية إلى ممارسة العمل التجاري بأسلوب التحايل على النظام تحت ستار الزوجة والأبناء رغم ما في ذلك من مخالفة صريحة. ومن ذلك أيضاً أن النظام لا يمنح مكافأة نهاية الخدمة مع أن فيه إجحافاً بحق فئة عملت وأخلصت ليحال الموظف على التقاعد ويخرج من العمل الوظيفي الذي أمضى فيه سنوات طويلة خالي الوفاض أي صفر اليدين. أما التعويض عن الإجازات التي لم يتمتع بها الموظف فقد حددها نظام الخدمة بستة أشهر كحد أقصى. هذا غيض من فيض ولو رجعنا إلى نظام العمل والعمال لوجدناه على عكس ذلك تماماً فهو يشجع الخاضعين له على زيادة تحصيلهم العلمي ويرغبهم فيه وذلك بمنحهم علاوة إضافية عن كل سنة دراسية يجتازونها بنجاح كما جاء في المادة (6) الفقرة (ب) من لائحة بند الأجور. كما منحت العلاوات لمن هم في الفئة (د) ولا يتوقفون عند الدرجة الخامسة عشرة من السلم بل يمنحون كل سنة علاوة كما جاء في المادة (9) من لائحة بند الأجور. أيضاً يمنح نظام العمل والعمال (بند الأجور) الخاضعين له مكافأة نهاية الخدمة وذلك بمعدل راتب شهر عن كل سنة خدمة بعد السنوات الخمس الأولى المادة (85) من اللائحة ذاتها. أما من ناحية التعويض عن الإجازة للعامل فيعوض عن رصيده من الإجازات العادية مهما بلغت دون قيود. والآن بربكم ألا يتمنى أي موظف أن يخضع لنظام العمل والعمال بعد كل هذه الامتيازات. أورد ذلك تحت ضغوط كثيرة من موظفي الخدمة المدنية الذين لا يطالبون سوى بمساواتهم بزملائهم في السلالم الأخرى فهم يؤدون عملاً لا يقل شأناً وأهمية عنهم فالموظفون بمؤسسات التعليم العالي وأعني هنا الجامعات يطالبون بمنحهم بدل الجامعات الناشئة وأن تكون لهم مكافأة خدمة أسوة بأعضاء هيئة التدريس لاسيما وأن موقع العمل واحد ونوعية الأداء هنا تكاملية. وكذلك الموظفون في بقية القطاعات كوزارة التربية والتعليم والصحة يطالبون بمساواتهم بزملائهم المدرسين وزملائهم على الكادر الصحي من ناحية الامتيازات والبدلات إذ لا يجدون مبرراً لهذه التفرقة وجميعنا ندرك دور الإدارة في أي جهة فهي التي يدار من خلالها العمل وعلى قدر كفاءتها يقاس النجاح ويحقق ولذلك إذا أردنا إصلاحاً إدارياً وتنمية وتطوراً لأجهزتنا الحكومية فعلينا الاهتمام بأنظمة الخدمة التي تكفل الحقوق وتركز على الحوافز.