شق لنفسه طريقا فريدا.. نقش فيه اسمه بتصميمه الأكيد على الولوج إلى عالم الحجارة العنيد.. ففي عالمه يصبح الصمت أبلغ من الكلام.. وتفصح الجوامد عمّا يكنّه الأحياء من عظيم مشاعر الصدق والولاء.. عشقه للحجارة من نوع غريب.. فهو يرى فيها ما لا يراه غيره.. بصبره وجلده يحوّل الحجارة الصماء القاسية إلى عجينة لينة سهلة التشكيل.. فتنقاد إليه مرغمة لينطقها بما يختلج في روحه من أحاسيس جياشة ومشاعر صادقة.. وحيث الدوادمي هي مكمن روحه ومسقط رأسه ومميزات حجارتها كانت انطلاقته.. الفنان والنحّات علي الطخيس.. فكانت نظرته تتجوّل وتبحث في فضاءاتها الصامتة الناطقة.. فليست أي حجارة تستهويه وتشبع شغفه المتزايد للبحث عن الأفضل الفريد.. فينتقي منها ما يجد فيه ضالته محوّلاً إياها إلى منحوتات منقطعة النظير.. اختار الحجارة خامة له لقوتها وللتأكيد على ما يعبر عنه.. ليبقى ذكرى خالدة للأبد ولأنها جزء من وطنه الذي سكن حبه بين أضلعه.. ونقشت في مخيلته الخصبة صورًا لكفاح زعمائه العظماء.. ففي نجد وفي قلعة المصمك الأبية دارت أعظم ملحمة تاريخية.. حددت فيها مصير أمة بأكملها .. ومن المصمك كانت بداية الوحدة والعدل والسلام.. ومن المصمك كانت ولادة الدولة السعودية العظيمة.. ومن المصمك كانت نقطة التحوّل الكبير .. ذكريات لم يطوها النسيان فهي لا تزال حية لم تغب عن ذاكرته بل حفرت في سويداء قلبه فأراد لها الخلود في منحوتته الرائعة (زاوية من المصمك) نحتها كما يراها قوية شامخة بدا فيها أحد أركانها صامدًا.. رآها بهذه الزاوية ليبين لنا مدى ثباتها وقوتها.. وقد حفرها لنا بأسلوب تجريدي بسط فيه الواقع بخطوط أقرب إلى الليونة تبث الحياة في ذلك الحجر الأصم.. ليجعله كأنه يهمس لنا بحكاية ذلك التاريخ والافتتاح العظيم.. وبإحساسه الصادق استطاع إظهار الأبعاد والخاصية البنائية للمنظور.. قد علته كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) التي حملت على شكل هندسي ثلاثي الأبعاد اعتلى وسط المصمك ومركزه.. معبرًا بذلك إلى علوها في نفوس أبنائها واعتزازهم بالانتماء إليها.. وليزيد شكله ثباتًا ورسوخًا.. نحته هو الآخر (الشكل الهندسي) من أحد زواياه ليحدث توازنًا في العمل.. نقشت تلك الكلمة (لا إله إلا الله) بخط واضح مقروء على أحد أوجهه التي تعلو باب المصمك وكأنه يربط بين بداية فتح الرياض وبداية دخول الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى تلك القلعة.. والتي تمثل انطلاقة ونشوء الدولة السعودية.. وفي الوجه المقابل نقش عبارة الاستقرار والاستمرار (20 سنة).. أحدث بين أشكاله تباينًا واضحًا في الملمس ليزيد من الإيقاع في العمل، ليحمل أحد أشكاله (المصمك) ملمسًا ناعمًا يعبّر من خلاله عن نعومة الكثبان الرملية الذهبية وقد تناقلتها الرياح في دوامة متحركة.. وقد امتدت في ذلك المكان (نجد) واحتضنت حصن المصمك بين ذراعيها.. أما الملمس (الخشن) في شكله الهندسي لعله أراد أن يزيد كتابته ثبوتًا ورسوخًا.. جاعلاً من حجارته الصلبة شكلاً جماليًا وكائنًا حيًّا ينبض بحب الوطن والأرض التي ينبض بها فكره المبدع..