أنا.. حفنة تراب.. بضع ذرات.. في فلاة ملقاة.. لاهثة بين حر وجفاف.. وفراغ وسراب... تجتمع ذراتي وتسكن.. وتطمئن وتنبض.. بلمساتك.. بقطراتك... تتضح وتكتمل حفنتي.. يرطبها ظلك الندي.. وغيثك الغني... تروين ترابي.. فتنبثق ورود نحوك.. ناظرة إلى أعلى.. إليك... لم تحس ذراتي بالحياة قبلك.. ما انحسر السراب القائظ من حولي إلا بلطفك.. لم تعرف كومتي أنها قد تخرج وردا إلا بك ولك.. ولا يعرف الورد، كل الورد، نورا.. إلا وجهك... آه كم أعشقك... *** تقولين: «تعجبني كلماتك ليتني أكتب كما تكتب».. لا..لا.. لا تقولي... لن أقوى أن أرد... ولست أنا من يرد.. بل عبير الورود، نسيج المروج، ألحاظ اللآليء، إيقاع الشطآن، لوحات الربيع، أنغام العصافير والنسائم.. كلهم يقولون لك: «لا تتمني أن تكتبي». كلهم يرجونك مشفقين: «لا تثقلي بالريشة على اناملك»... لم تتمنين أن تكتبي وأنت المعنى..؟ لم تبحثين عن مصباح وانت الإشراق..؟ لم تعبّرين وأنت الإلهام..؟ لماذا ترسمين وأنت الفتنة الباهرة..؟ ما أرقك... كلماتي تعجبك؟ هي منبثقة منك ولك.. ما كتبته أنا ليس مني.. لا فضل لي فيه.. أنت الحقيقة والمصدر، أنت الأصل المعروف والجمال الموصوف.. أنت منبع الكلمات ومنتهاها... آه كم أعشقك... *** أحسست بكياني وتلاشى لما رأيتك.. أقبلت على الناس وتركتهم عندما أقبلتِ.. عرفت العالم ونسيته لما عرفتك.. أغنيتني عن كل شيء.. فمن وماذا أريد بعدك؟ لا يهمني سواك... تفارقينني فأبقى وحيدا على الكوكب مستوحشا محتضرا.. وتصفقين لي مرة فأسمع الدنيا تصفق وتهتف مرات... نظرتِ إلي فجهلت معنى الألم.. إيتسمتِ لي فملكتُ كل شيء.. أحببتك فلم أعد أرى حتى القمم تحتي.. أحببتني فانقلبت الأرض كلها ورودا.. واحتضنتني الثريا... آه حبيبتي.. عرفتك.. فعرفت روحي وقلبي وعيني.. وميلادي وقدري... آه كم أعشقك...