أولاً كل عام والجميع بألف خير، وعيدكم مبارك، أعاده الله علينا وعليكم، وعلى أمتنا ووطننا وهما يرفلان بالعز والتمكين، كما أرجو من الله العلي القدير أن يتقبّل من الحجاج نسكهم، وأن يعيدهم إلى أوطانهم سالمين غانمين، إنه سميع مجيب. فنحمد الله أن انتهى موسم الحج بنجاح، ونحمده أن منح بلادنا شرف خدمة حجاج بيت الله الحرام، وزوار مسجد المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وهذا والله ما نفخر به جميعًا حكومةً وشعبًا، حيث إنه لم يكن وليد الحاضر، بل تجاوز الثلاثمائة عام، حتى أصبحت بلادنا ذات خبرة، كما أصبحت قادرة على تجاوز أي أزمة قد تحدث لا سمح الله. ولقد كان والدي -حفظه الله- يحدّثني كيف كان الحج قبل أكثر من ستين عامًا، وكم كانت تستغرق رحلتهم من مدينة بريدة إلى مكةالمكرمة، بل كيف كانت حالهم، وما يحصل لهم من خوف، وجوع، ورعب حتّى يتم وصولهم إلى مكةالمكرمة، ثم بعد قضاء نسكهم وحجهم تكون لهم حكايات؛ حتّى يعودوا إلى أوطانهم وأهليهم، والأهم من ذلك كله أن عدد الحجاج لم يتجاوز المائة ألف حاج وحاجة فقط. ومع ذلك ينالهم ما ينالهم من تعب ونصب، لكننا اليوم نرى -ولله الحمد- بلادنا الغالية بقيادة والدنا وملك الإنسانية مولاي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله تعالى ورعاه- وما تبذله من جهود جبارة حتى أصبح لديها الخبرة الكافية لأن تستوعب الأعداد الغفيرة من الحجاج الذين تجاوز عددهم في بعض السنوات الثلاثة ملايين حاج وحاجة، كلهم يقفون على صعيد واحد، وفي ساعات، بل لحظات معدودة؛ ليؤدوا نسكهم بكل يسر وسهولة، ممّا أكسب وطننا -ولله الحمد- الخبرة الكافية بأن تستفيد منها معظم دول العالم، خصوصًا وأن هذا التجمع السنوي لا يتكرر في العالم، وعلى صعيد واحد، وفي وقت واحد إلاَّ في مكةالمكرمة، والمشاعر المقدسة. وممّا يزيد الغبطة والفرح أن المشاعر المقدسة هذا العام ضمت عددًا من المشروعات التوسعية التي جعلت، وسوف تجعل موسم الحج سهلاً ميسرًا بدلاً من كونه في السابق مشقة وكلفة، بل إنه أصبح الحاج -وخصوصًا في الجمرات- الخارج منها مولودًا، والداخل فيها مفقودًا، بينما هذا العام متاح أمام الحاج خمسة أدوار، يختار أيّها شاء ليرمي الجمرات، دون تعب، أو عناء في مشروع لم يتجاوز الثلاث سنوات، في إنجاز غير مسبوق، ومثل ذلك المسعى، حيث إنه كان الحاج خلال السعي وطواف الإفاضة يناله التعب والنصب، وبعدما زاد استيعاب المسعى تحقق الحلم -ولله الحمد والمنة- ومثل ذلك ذبح الهدي، والوقوف بعرفات، والمبيت بمنى، كما سوف يكتمل العقد -بإذن الله- بعد أن يكتمل قطار المشاعر الذي سوف يربط منى ومزدلفة وعرفات بالحرم المكي الشريف، والذي من المتوقع أن تكون نسبة الإنجاز فيه حوالى 50% ممّا سوف يسهم وبقوة في سهولة تنقل الحجاج بين المشاعر، بدلاً من وجود السيارات داخلها، فتؤدي إلى كثرة الازدحامات غير المبررة، كما سوف يساهم بعد اكتماله في نقل أكبر عدد من الحجاج في أقل الأوقات، ومثل ذلك توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله تعالى ورعاه- لبيت الله الحرام من الجهة الشمالية، والتي سوف تسهم في رفع كفاءة الحرم المكي، من أجل استيعاب تلك الأعداد الغفيرة من الحجاج والمعتمرين الذين يتوافدون على مكةالمكرمة خلال موسمي الحج والعمرة. إن هذا ما كان ليتم لولا توفيق الله عز وجل، ثم الهمّة العالية من لدن قيادتنا الرشيدة التي سخّرت جهدها، ومالها، وشعبها لخدمة ضيوف الرحمن، ممّا جعل نتاج ذلك -ولله الحمد- حماية بلادنا الغالية من يد الغدر والخيانة والإجرام، وصرف كل مَن يريد بهذا الوطن سوءًا، في الوقت الذي تبذل أمم كثيرة جهودها -مع الأسف- لتعكير صفو الحج، وزرع الفتنة بين المسلمين، لا لهدف إلاَّ لشق صف المسلمين، ولكن ربي لهم بالمرصاد، وهو القادر على ذلك. أسعد الله أوقاتكم.. وكل عام وأنتم بخير.