أقترح أن تُقام التصفيات المؤهلة لكأس العالم مستقبلاً من مباراة واحدة، تُقام على أرض محايدة؛ لأن ذلك ينطوي على عدل وإنصاف، ويتجانس مع تطلعات الجماهير في مشاهدة فرق الدول التي تخدمها طاقاتها الفنية، ومستواها الإبداعي، وليس دعم الجمهور، والاستفادة من الارض. المباراتان بين مصر والجزائر برهنتا على مفهوم كرة القدم في بلورة الأخلاق الرياضية السامية والرفيعة، وجسّدتا مضمون الإخاء العربي والإسلامي، وروح التضحية والإيثار، والحرص على أن تحقق الرياضة مفهوم التجانس والتقارب بين الشعوب، والتنافس الشريف!! فالجزائريون حاصروا المصريين بكرم الضيافة حتّى الاختناق والتضييق على أنفاسهم، وفي المقابل حرص المصريون على رد الجميل برشق الجزائريين بعبارات صلبة، تنم عن إصرار على تقديم واجب الضيافة، ومن لم يرضخ للاستجابة (فتحوا دماغه) ليستوعب درس القبول والاستجابة، وليس أدل على تحقق مبدأ المثالية لدى جمهور الفريقين من نقل المباراة الفاصلة إلى المريخ، حيث الفضاء الخارجي، وعالم المثالية. وما جسّده خيال القصص العلمي من التفاهم عبر (التلبائي) استغناء عن لغة الكلام. فلغة (الطوب) والأحجار هي وسيلة العوالم الأخرى التي لا تملك الحركة، وإنما تكتفي بالإشارة من موضعها. وخلف تلك الصفحة من الواقعية ما يخجل في انتقال الرياضة من عالم القيم إلى عالم الصراع، وتتحمّل مسؤوليته بالدرجة الأولى (الفيفا)، فهي ليست المشهد الأول وإنما هي حالة متكررة، وقد يشهد المستقبل ما يضاهيها إن لم تتوقف الفيفا عن إدارة تصفيات كأس العالم بمثل هذه الصورة، وهو ما سنعالجه في مقالتنا. لقد كانت السابقة الأولى في التصفيات المؤهلة لكأس العالم للعام 1970م، والتي بدأت منذ العام 1967م، وأفضت إلى نشوب حرب بين السلفادور والهندوراس من دول أمريكا الوسطى. وعودة إلى تصفيات آخر المتأهلين بين مصر والجزائر على أرض السودان، لم يكن بمستغرب أن ينهض العلماء كجمعية علماء السودان التي ناشدت الأهالي التزام الحياد بين الدولتين الشقيقتين؛ لكي لا تفضي الأمور إلى ما هو أسوأ في المباراة الختامية. وتحدث فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي عن انشغال المجتمع عن قضيته الأساسية التي لا يحلها حصول أية دولة منهما على كأس العالم، واستغلال إسرائيل لهذه الصورة البشعة في تشويه صورة المجتمع العربي المنشغل عن إطعام شعوبه بتأمين طائرات، وتذاكر دخول للملاعب. كما تحدّث بألم الشيخ عباس مدني محذّرًا من الانزلاق إلى صدامات، في الوقت الذي لم ولن يتحقق صراع بين مصر والجزائر، مؤكدًا على وحدة المصير، وأهمية قضية العالم العربي الإسلامي الكبرى. وهذه الأحداث تفسّر خوف رجل الخط من احتساب تسلل تحقق منه هدف عماد متعب الثاني في مباراة الإياب، رغم شهادة عدد من المحللين في برنامج المجلس، بتلفزيون دولة الإمارات، كان بينهم أكثر من مصري أكدوا عدم صحة الهدف، وهو ما أكده مدرب المنتخب السعودي الأسبق الكابتن خليل الزياني، ليست النتيجة بالمسألة المهمة، وليس المهم مَن يتأهل، ولكن المهم أن تأخذ هذه الرياضة طريقها في ظل توفر القيم التي تسعى إلى تكريسها، لا مفهوم الخوف، والرعب، والضرب، والقتل.. فما هو ذنب عامل مصري يقطن في الجزائر سعيًا وراء لقمة العيش؛ ليلقى حتفه انتقامًا على يد الجزائريين، من قيام حفنة جاهلة برشق الحافلة التي تقل المنتخب الجزائري قبل دخولهم إلى الفندق؟ وهل بلغ مدى العلاقات العربية احتراز الأخوة في الجزائر بجلب طعامهم، وزجاجات المياه معهم من الجزائر تحسبًا من أمر يبيّته المصريون لهم بليل، كما في ظنهم في الطعام أو الشراب؟ إن مسؤولية حرب السلفادور والهندوراس، والصراع بين جماهير الكرة المصرية والجزائرية تتحمّله الفيفا بالدرجة الاولى. لذلك بوسعي أن أقترح أن تُقام التصفيات المؤهلة لكأس العالم مستقبلاً من مباراة واحدة، تُقام على أرض محايدة؛ لأن ذلك ينطوي على عدل وإنصاف، ويتجانس مع تطلعات الجماهير في مشاهدة فرق الدول التي تخدمها طاقاتها الفنية، ومستواها الإبداعي، وليس دعم الجمهور، والاستفادة من الأرض. بل أقترح أن تُقام بطولة كأس العالم على أرض دولة لا يشارك فريقها ضمن التصفيات، وكثير من الدول ترغب في ذلك للمردود الاقتصادي الضخم. واختصار التصفيات المؤهلة إلى مباراة واحدة على أرض محايدة تكشف المستوى الحقيقي لكل فريق، خاصة وأنه سيلعب الأدوار النهائية بعيدًا عن وطنه، كما أنها تسهم في سلامة اللاعبين والجماهير معًا. فضغط الدوري الخاص بكل دولة، إضافة إلى المشاركة في التصفيات يسهم في تعرّض اللاعبين للإصابات المختلفة، والأندية في ظل نظام الاحتراف تدفع مبالغ باهظة في عقودها، وكذلك مرتبات عالية للاعبيها، وتعرّض اللاعبين للإصابة يحرم الأندية من مشاركاتهم، ويُمني خزينة النادي بخسائر مادية، ويحرم الدول من نجومها. إننا في عوز لكي نرى فرق الدول الأرقى مستوى فنيًّا وخلقيًّا؛ لذلك لن أتعاطف مع مبدأ رفع عدد المشاركة لكل قارة، وإنما الأفضلية تظل مرتبطة بفكرة (الملحق)، فليس من المنطقي أن تشارك دولة ضعيفة مثل نيوزلندا، أو كوريا الشمالية، بينما يتم إقصاء فرق تفوقها مستوى وقدرة. وكلنا شاهد أن فريق الارجنتين أوشك أن يغادر المنافسة، وكذلك منتخب الأوروجواي. إن آلية التصفيات المؤهلة عفا عليها الزمن، وتحتاج إلى إعادة نظر ودراسة، وليت الاتحاد السعودي يأخذ زمام المبادرة؛ بطرح هذه الأفكار، أو أية أفكار أخرى إيجابية لمعالجة أخطاء الوضع القاتم، وتصويبه ليتّجه صوب المسار الصحيح.