* تصريح أمين محافظة جدة في ردة فعله تجاه الكارثة الإنسانية والمأساة الوطنية التي شهدتها مدينة جدة بقوله: (السيول فاجأتنا)، إضافة إلى تصريح وأقوال غيره من مسؤولي الأمانة بكلام ومعانٍ قريبة من كلام الأمين، وإيرادهم قائمة طويلة عريضة من المشاريع التي ستنفذ والتي ستقلل من أخطار الأمطار والسيول، وكأن إشكالية جدة مع هكذا حال، إنما هي وليدة اللحظة، بينما تاريخها يشهد بأنها أزمة تعانيها جدة وأهلها منذ سنوات. * هكذا تصريح وأقاويل ليست سوى نتاج لعدم القناعة بالعلم والإيمان بالمعرفة، والاعتراف بأهل الاختصاص. فمنذ عشرات السنين وآلاف المقالات ومئات الدراسات المتخصصة تتحدث عن مشاكل جدة، وخاصة مع الأمطار والسيول، وعن وسائل وآليات حلولها. وجامعاتنا السعودية بما فيها الجامعة الوحيدة في مدينة جدة وهي جامعة الملك عبدالعزيز مليئة حتى التخمة بالمتخصصين الأكاديميين القادرين على وضع الدراسات والخطط والأفكار، والآليات ووسائل التنفيذ الكفيلة بالقضاء على المشكلة، ولكن وبكل أسف وأسى لم ولن تجد آذانًا صاغية أو عقولاً متفتحة خاصة من مسؤولي أمانة محافظة جدة. * قبل أكثر من عام تقريبًا كتب زميلنا الأكاديمي الدكتور محمود الدوعان مقالات عدة هنا في جريدة (المدينة) تتحدث كلها عن أخطار الأمطار والسيول وانعكاساتها البيئية والمجتمعية، بل إنه كما أذكر، وفي واحد من تلك المقالات شرّح بالتفصيل ما سوف تواجهه جدة من كارثة إنسانية بسبب مخاطر السيول المنقولة، والتي تحدث بحسب تقدير الخبراء كل (30) أو (50) عامًا، وذكر أن جدة سوف تواجه هذا العام 1430ه الموافق 2009م مشكلة من هذا النوع وهو ما حدث فعلاً قبيل أيام. * لا أدري بحق رد أمانة محافظة جدة على مقالات الدكتور الدوعان، وإن كنت أجزم أنها مليئة بالأرقام والدراسات التي تقوم، وستقوم بتنفيذها الأمانة كما هو موجود في كراريس الأمانة، ولكن الذي أعرفه أن الدكتور الدوعان وهو المتخصص في علم جيوموفولجي أي علم دراسة أشكال سطح الأرض، في قسم الجغرافيا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز قال نصًّا في واحد من مقالاته: (إنني أكرر التحذير من مغبة الأمطار الغزيرة والسيول الفجائية ذات الفترات المتباعدة، والتي قد تحدث في أي وقت، وبدون مقدمات مسبقة، حتى أن أجهزة الرصد المناخي تعجز أحيانًا عن رصد مثل هذه التقلبات السريعة، ولذا أقترح على أمانة جدة سرعة اتخاذ التدابير اللازمة). وكان هذا النص جزءًا من مقال كتب في شهر رمضان من العام الماضي 1429ه؟!! * أكتب مقالي هذا مساء يوم السبت، وقد بلغ عدد مَن قُتلوا من جراء الأمطار والسيول في مدينة جدة بحسب إحصائية الدفاع المدني (103) برءاء، وتم إنقاذ (1399) إنسانًا، ويعلم المولى سبحانه وتعالى إلى أي مدى ستؤول إليه الأرقام سواء البشرية أو المادية من ممتلكات ومساكن وتقديرات مخيفة من الدمار. وأقول وبكل إخلاص وانتماء وصدق لهذا الوطن العزيز، إن المسؤول الأول والمباشر عن هكذا كارثة إنما هو أمانة محافظة جدة، فهي المعني الأول والأخير بكل شؤون المحافظة من خدمات بلدية، سواء تصاريح البناء، أو اعتماد الإنشاءات، أو إجراء المشاريع الخاصة بإلغاء وتقليل حدة المخاطر كما حدث مع الكارثة الأخيرة. فالدولة وولاة الأمر رعاهم الله، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين لم يبخلوا بشيء على جدة، فقد رصدوا الميزانيات الضخمة، والاعتمادات المالية الهائلة، وذلك باعتراف مسؤولي الأمانة بمن فيهم الأمين نفسه. كما في اعتماد خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله مبلغ مليار وثلاثمائة ألف ريال لمواجهة حمّى الضنك، والتي من أهم مشاريعها تصريف مياه السيول. إضافة إلى مبلغ ما يقارب الأربعمائة مليون ريال لجسر ونفق الملك عبدالله، والذي أصبح الآن مستنقع ماء! والله يعلم كم من القتلى حصدهم! وكم من السيارات ابتلعها؟!! * نحن اليوم وبملء الفم وامتلاء القلب وصوت عالٍ إذ نقول لأبطالنا الأشاوس في الجنوب: أنتم بحق فخر لنا، ونقول لكل من ساهم في إنجاح موسم الحج أنتم تيجان عز لنا.. نقول للمقصّرين والمهملين في مأساة جدة، صدق الولاء والانتماء والإخلاص لهذه التربة الطاهرة، لا يكون هكذا.. فقد أخطأتم، وتجب محاسبتكم حتى لا تذهب أرواح القتلى مع الرياح، كما حدث مع البريئة فاطمة التي جرفتها مياه الصرف الصحي في ميدان النورس.