قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إن أمن الحجيج مسؤولية لا تقبل التراخي واللين، ولن نتعامل معها إلاَّ بكل حزم وحسم، وأضاف -يحفظه الله- في كلمة وجهها أمس إلى حجاج بيت الله الحرام: «لقد يسّر الله لنا بعونه وتوفيقه القيام بتيسير السبل للحجيج، ونحن بحول الله ماضون في ذلك، عاملون له طاقتنا، باذلون فيه الغالي والنفيس، غير متوانين في أي عمل من شأنه خدمة ضيوف الرحمن، مشددًا -يحفظه الله- على أنه «وفي الوقت نفسه لن نسمح لأحد بتعكير صفو هذه الشعيرة المباركة، والنَّيل من أمن وفود الرحمن». وفيما يلي نص الكلمة: الحمد لله القائل في محكم التنزيل: “وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئًا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود”، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد القائل: (الحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنة). أيُّها الإخوة والأخوات حجاج بيت الله الحرام.. أيُّها الإخوة والأخوات أبناء الأمة الإسلامية في كل مكان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: من أطهر بقاع الأرض وأقدسها، أهنئكم بعيد الأضحى المبارك، متمنيًا لحجاج بيت الله حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا، حامدًا المولى -جل وعلا- على ما تفضّل به من قضاء نسككم، والتعرّض لنفحات ربكم في هذه الأيام المباركة، حيث شرف الزمان والمكان في أجواء مفعمة بالمشاعر الإيمانية، والتجرّد عن متع الدنيا، والتوجّه إلى المولى -جل وعلا- بأن يتقبّل من الجميع صالح الأعمال، ويصلح القلوب والأحوال، وأن يجعل من هذه الفريضة المباركة فاتحة خير على المسلمين في كل عام لتجديد صلاتهم الأخوية، وتوثيق عرى تواصلهم وتلاحمهم وتراحمهم لما فيه عزتهم وتحقيق مصالحهم في معاشهم ومعادهم. لقد أراد الله -جل وعلا- أن تكون هذه الفريضة السنوية ملتقى مشهودًا بين أبناء الدّين الواحد تتجلّى فيه وحدة الزمان والمكان، والمقصد، ولتترسخ مفاهيمه الجليلة في وجدان أبناء هذه الأمة؛ ليصلوا القول بالعمل، ويحققوا تطلعات بلدانهم وشعوبهم، ولن نجد أبلغ في هذه السياق من تحذير المولى سبحانه وتعالى من أن تمس شعيرة الحج بأي مقصد آخر يصرفها عن مرادها وغايتها قال الله تعالى: “الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب”. إن الدروس المستفادة من هذا الجمع المبارك في كل عام أكثر من أن تُحصى، لكنها تتجلّى في المعاني الإيمانية والوحدة الإسلامية، وإزالة كافة أنواع الفوارق في وحدة متكاملة شملت المظهر، والمخبر، تطلب ما عند الله من الفضل والمغفرة، متضرعة للمولى -جل جلاله- بأن يجمع القلوب المؤمنة على كلمة واحدة، كما جمعهم في هذه المشاعر المباركة على غاية واحدة. كما تتجلّى تلك الدروس في معانٍ أخرى عانت منها أمتنا طويلاً، حيث فوتت الفرص السانحة والمتكررة للإفادة من هذه المُثل والمعطيات الروحانية التي ترسم لنا منهج حياة يتجلّى في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا). إن التذكير بهذه الحرمة العظيمة في الحشد الميمون لضيوف الرحمن، وقد جاؤوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات لهو أبلغ رسالة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وما فات أمتنا من خير مثلما فاتها من تساهلها في الاستمساك بالعروة الوثقى، والحبل المتين، وعدم امتثالها قول الحق جل جلاله: “واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون”. نعم لقد كنا كذلك فأنقذنا الله من الضلالة إلى الهدى، حيث مّنَّ علينا ببعثة الهادي البشير، والسراج المنير، وجاءت الآية الكريمة لتذكرنا بهذا الفضل لنستصحبه دومًا حتّى لا تضل بنا السبل فنظلم أنفسنا، ونظلم غيرنا. أيُّها الإخوة والأخوات: منذ أن مَنَّ الله على المملكة العربية السعودية فشرفها بخدمة الحرمين الشريفين، وهي تستشعر عظم الأمانة الملقاة على عاتقها، وتقدّر حجم مسؤوليتها وأهمية الاضطلاع بها بما يرضي الله جل وعلا قبل كل شيء محتسبة عند الله خدمة قاصديهما من الحجاج والعمّار والزوّار دون أن تنتظر من أحد جزاءً أو شكورًا. ولقد يسّر الله لنا بعونه وتوفيقه القيام بتيسير السبل للحجيج، والسهر على راحتهم، ورعايتهم، وخدمتهم، ونحن بحول الله ماضون في ذلك بما مكننا سبحانه من قدرة ومقدرة، عاملون له طاقتنا، باذلون فيه الغالي والنفيس، غير متوانين -بمشيئة الله- في أي عمل من شأنه خدمة ضيوف الرحمن، وفي الوقت نفسه لن نسمح لأحد بتعكير صفو هذه الشعيرة المباركة، والنَّيل من أمن وفود الرحمن، فأمن الحجيج مسؤولية لا تقبل التراخي واللين، ولن نتعامل معها إلاَّ بكل حزم وحسم، فما بعد أمنهم والحرص عليهم من مسؤولية، فهم معقد الأمانة، ومحك المسؤولية، وقد هيّأنا لذلك بحمد الله كافة الإمكانات البشرية، والمادية، وكل ذلك يصب في خدمة وراحة وأمن الحجيج؛ ليعودوا -إن شاء الله- إلى أهلهم بحج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور، مشمولين بالراحة، والطمأنينة، والخدمة التامة. إخواني وأخواتي: لا يخفاكم أن الحج ركن من أركان الإسلام، كتبه الله على عباده ليؤدوا فريضته، ويشهدوا منافعه، ويستذكروا مقاصده ومراميه، فشريعة الإسلام دين خاتم، يحمل في طياته مضامين رحبة، وتعاليم سمحة، وقيمًا رفيعة، في منظومة منهاج يضيء الطريق بهديه القويم، وصراطه المستقيم، ولذا كان علينا جميعًا واجب حمل هذا الدّين، ونشره للعالمين بالحكمة والموعظة الحسنة، وفي الحديث الشريف (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين). وركب الدعوة الى الله -على هدى وبصيرة- يواجه كافة أساليب التطرّف والغلو بما أوتي من العلم والفهم عن الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليهدي الناس -بإذن ربهم- إلى صراطه المستقيم، ودينه القويم، ويعطي للعالمين أنموذجًا حيًّا، ومثالاً ناصعًا، لقيم ديننا السامية، وينفي عنه الأكاذيب والمغالطة، ويتبرأ من طرفي النقيض، فدين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه. ولذا فإنه على مر العصور كان دين الإسلام -ولا يزال- داعية خير ورشد، وبشير فضل ورحمة، وعامل أمن واستقرار، ومصدر نماء وعطاء وازدهار، يحمل الخير للبشرية، ويسعى لمصلحة الإنسان، يحفظ له كرامته، ويصون حياته، وعقله، وماله، وعرضه، في منهج كريم، وجادة سواء، ليس لها مثيل، تأسست على قواعد اليسر والرفق في الأمور كلها، فالله عز وجل يقول: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، ويقول نبيه: (إن الدّين يسر ولن يشادّ الدّين أحد إلاَّ غلبه). والله أسأل أن يتقبل حجكم، ويبارك سعيكم، ويعيدكم إلى أهليكم وذويكم سالمين غانمين، وقد نلتم فضل الحج العظيم بالقبول، ومغفرة الذنوب، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.