تشرفت قبل عدة أيام بزيارة بعض الزملاء لمنزلي من أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدا لعزيز لمواصلة النقاش حول استعداد القسم للبدء في مرحلة الدكتوراه والنجاح الكبير الذي تم ولله الحمد لبدء مرحلة الماجستير مما كان له اكبر الأثر في نفوسنا جميعا. وتحدث أصحاب الفضيلة عن المناهج وسبل تطويرها وأهمية معالجتها للمشكلات المعاصرة خاصة في تلك الدراسات المتصلة بالفكر الإسلامي عند ذلك دار حديث جانبي بيني وبين الأستاذ الدكتور محمد عمر حسن حفظه الله حول تدريس مادة التفكير المنطقي لطلاب وطالبات الدراسات العليا بالقسم واقترحت تدريس كتاب أستاذي الدكتور عبدا للطيف العبد حيث انه من الكتب الجيدة كمدخل للتفكير المنطقي في بداية دراسة الطالب لعلم المنطق واستمر الحديث طويلا حول شخصية وإنتاج الأستاذ الكبير حتى انفض بنا السامر . وبعد انصراف الزملاء بلحظات وصلتني رسالة من الكويت من الزميل والأخ الكريم الأستاذ الدكتور عبدا لله العجمي أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الكويت وفقه الله تنعي الأستاذ الدكتور عبدا للطيف محمد العبد . تألمت كثيرا لفقد هذا العالم الفذ والمفكر الإسلامي الكبير ليس لمكانته الشخصية في قلبي وهي كبيرة جدا وحسب بل لذلك الأثر البالغ الذي أحدثه ومازال في نفوس طلاب العلم نحو الاهتمام بقضايا أمتهم وحرصهم عليها وغيرتهم على دينهم لكن دون تطرف أو غلو ودون تراخ وملل . سواء كان ذلك أثناء تدريسه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أو جامعة الملك عبدالعزيز أو في الكويت ودبي وجامعة القاهرة , والحقيقة أن لهذا العلم المتألق في سماء الفكر والفلسفة الإسلامية مكانة كبيرة في قلوب طلابه لا يعلمها إلا الله حيث تجلت فيه رحمه الله العديد من الصفات والشمائل والأخلاق الفاضلة التي كانت مضربا للمثل وأنموذجا فريدا يحتذى من التواضع والمحبة والسماحة يضاف إلى ذلك رصيد زاخر من العلم وسعة في الأفق ووضوح في المنهج دون تعصب أو تشدد . تتلمذت على يديه رحمه الله أثناء ابتعاثي لمرحلة الماجستير والدكتوراه بجامعة القاهرة كلية دار العلوم وقد حضيت بشرف مناقشته لي في رسالة الماجستير فكان عالما جليل القدر حافظا للقران الكريم لا يبارى في أسلوبه وفصاحته واسع المعرفة حاضر الذهن قوي الحجة محققا للتراث غزير الإنتاج يضاف إلى ذلك ابتسامته الدائمة وطرفته الحاضرة وسعة صدره وصفاء نفسه رحمه الله . ولا يغيب عن المشتغلين بالفكر الإسلامي رسالته الرائدة حول ( الإنسان في فكر إخوان الصفا ) أو كتابه حول (أصول الفكر الفلسفي عند أبي بكر الرازي) وكتبه المتنوعة حول ( التفكير المنطقي) ودراساته في الفلسفة الإسلامية وكتابه المتميز( الفكر الفلسفي في ضوء الإسلام) والذي قررته على طلابي ضمن المراجع المهمة في مرحلة الماجستير وكتابه البديع ( الأخلاق في الإسلام بين النظرية والتطبيق) وآخر كتبه رحمة الله كان كتاب (مواقف كلامية ) وكتب أخرى كثيرة . وتحقيق الكثير من الرسائل والردود وقد ذكر لي رحمه الله انه اشرف وناقش أكثر من مائة وعشرين رسالة يضاف إلى ذلك تحكيم العديد من الأبحاث والعديد من المقالات والبرامج مما سيكون مادة خصبة للدراسة في رسالة علمية يقدمها احد طلابنا بإذن الله . وفي آخر زيارة لي لمنزله رحمة الله في مصر قبل عام من الآن أهدى إلي بخط يده الجميل ملاحظاته القيمة حول كتابي ( العولمة الثقافية وأثرها على الجانب العقدي والأخلاقي في العالم الإسلامي المعاصر) ورغم تقدمه في السن وكثرة مشاغلة لم يترك صفحة واحدة من الكتاب الذي يبلغ أكثر من خمسمائة صفحة إلا وعلق عليها بحرص العالم وإخلاص الناصح وأبوة المربي الفاضل إنني في هذا المقام لأحمد الله تعالى على قضائه وقدره ولا نقول إلا ما يرضي ربنا تبارك وتعالى واعزي امتنا الإسلامية بفقد هذا العالم الجليل واعزي أسرته الفاضلة وأساتذة كلية دار العلوم الأجلاء وطلاب العلم والمعرفة رحم الله استاذنا الأستاذ الدكتور عبدا للطيف محمد العبد رحمة واسعة وأكرم نزله ووسع مدخله وجمعنا وإياه في مستقر رحمته . •أستاذ الفلسفة الإسلامية المساعد جامعة الملك عبدالعزيز بجدة