* صوت الأرض.. الفنان المرحوم بإذن الله «طلال مداح» كان صوتًا رخيمًا «كالطائر الجواب» وحنجرة بارعة السلطنة فصيحة «العُرب» قادرة على الإدهاش مزدوجة الخاصية كانعكاس الماسة المشع أو المغناطيس الجاذب!! ذلاقة لسانه في «حرف الراء» كانت تنبىء غالباً عن شعور عميق وتحليل نغمي تميز بنبرة تأتلف تنظيمًا إيقاعياً غير خطي وهرمي، دقيقاً لأطوار النفس والحياة.. بيد أن «الرخامة.. والنبر.. والتنغيم» كان حصيلة حركة عززت «التلاقي المعرفي» في أوجه التداخلات المختلفة التي اجتمعت في موهبة وملكة نادرة تهيأت في التعبير عن مشاعر بعيدة الغور.. **» طلال مداح» -رحمه الله- بحث عن «سمو العاطفة» فقرب من الوجدان، لأنه خلق لدى السامع «لذة أو تخييلاً أو انفعالاً» استجلب التزاوج بين شخصية وبين الشعور في ألحان الملذة وألحان المخيلة.. وألحان الانفعال «الرحمة.. الحزن.. الأسف» في تلاقي بين: 1- النموذج اللساني الصوتي الحديث.. 2- والمعطى الصوتي العربي القديم «الأصيل» 3- التجسيد الوطني الشعوري الفطري والإنساني العاشق للجمال. ** «طلال مداح» -رحمه الله- كان عقلاً إنسانياً مصطخباً صادقاً.. وقلباً مليئاً بالحب والعطاء، ممزوجًا بالصراحة والوفاء والخير.. قريبًا من «التلقائية» بعيداً عن المداهنة والرياء.. استنطق اللفظ العذب والكلمة الفياضة بعاطفة وروح وبزاد من الفكر وذخيرة من الشعور.. لذا صاغت «أنامله» أيضًا ما جاش في صدره و»قلبه الأبيض» وما اعتمل في فكره ووجدانه.. فاستعذب الناس «مقاماته» وروحه الصافية العذبة فانتشرت محبته وأسست حبًا جارفاً لشخصه وفنه وسحر معاملته!! و»خصوبة «الخير» بين يديه!! ** «طلال مداح» أثارت أنغامه نماذج من العواطف القوية في علاقتها ب»(السجع.. والنبرات والشذرات.. والهزات والتدرج.. والزمنة.. والفنة.. والتأوه.. والتشبيعة والإبدال.. والاستهلال.. والإنشاد.. والشهقات.. والمهاهاة.. والصهيل.. والزخمة..» ** وقد قرأت تفاصيل تلك الأنغام في عرض ل(أحمد كروم) عن كتاب الباحث «عبدالحميد زاهيد» حول «الصوت في علم الموسيقى العربية لأتتبع بشوق الباحث شخصية طلال مداح -رحمه الله- وأرخي عنان تفكيري في التأمل لمعطيات «الفارابي» في كتابه «الموسيقي الكبير» ومعطيات نصوص «الحسن بن أحمد».. «فطلال مداح» -رحمه الله- كان أحد نبغاء الثقافة والأدب والفن التى اجتمعت في شخصه أنجبت زخرفاً من «الذوق» الذي جمع لآذاننا وببراءة النتاج الإبداعي الصوتي وبفطرية المواهب: الطارف العبق.. والتالد الأصيل وهو -رحمه الله- كان حريصاً على تأصيل «المبادئ الثقافية للصوت» مفتخراً بقيمه ووطنه وأهله.. في زمن سقطت فيه الأصوات في «هلامية الكلمة والنغم»!! فعاشت أذواقنا نضوباً في مجال «الدرس الصوتي العفيف» المتذوق، فاحتكمت الأغنية السريعة «للفيديو كليب» الذي غالبًا ما يختل شرط ائتلافه بين النغمة والسلطنة والنبرة فينشأ التنافر ضمن المنظور الذي ميز علم الموسيقى وفن الغناء، باعتبارهما.. على العلوم الطبيعية والقواعد الرياضية، بحيث تتركب منها ألحان تستسيغها الآذان حين تكون مبنية على موازين وموازير موسيقية مكسبها طلاوة وتطريباً.. أو تتباين الأزمنة فيكون الأداء نشازًا عزفاً على الآلة أم غناء. ** رحمك الله.. «يا طلال مداح».. فقد وقف فنك في وجه الاجتياح الثقافي الفني الدخيل.. وكان صدرك يجيش بنخوة أصالتك وصوتك وسلطنتك... واعتزازك بإنسانيتك وروحك العذبة و»أبعاد الخير» التي كانت لك متنفساً وأنيساً فى «غربة الحياة»!! أخصائي الإعلام النفسي - جدة جامعة المؤسس