الإيثار هو أن يؤثر الإنسان على نفسه شخص آخر بالمال مع حاجته إليه وهو أَعلى درجات السخاء وأكمل أنواع الجود خاصةً إذا نوى أنه أمر تعبدي وخالصًا لله، ولا نكاد نرى هذه الخصلة الحميدة إلا من الوالدين لأبنائهم وتكاد أن تكون عديمة الوجود بين أفراد المجتمع وهي من أسباب تفكك المجتمعات خاصة بين الأسرة ولسان حال المجتمع يقول (ليس لي شأن إلا من هو مكتوب لدي في السجل العائلي) وهذا البخل والأنانية بعينها وهذا خلاف ما حثت عليه شريعتنا السمحاء في تماسك المجتمع واستقراره بداية من أولى القربى. قال تعالى (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ). ومن أنواع الإيثار نوع فطري أو غريزي كالذي يكون عند الآباء والأمَّهات وأصحاب العِشْق، والحبُّ من أقوى دوافع الإيثار مِن أجل سلامة المحبوب وتحقيق رضاه، وجلب السَّعادة إليه. تقول أمُّ المؤمنين عائشة: (جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلَّ واحدة منهما تمرة.. ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقَّت التَّمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنَّة، أو أعتقها بها مِن النَّار). والنوع الآخر يكون دافعه الإيمان، وحبَّ الخير للغير، على حساب النَّفس وملذَّاتها ومشتهياتها راجيًا المثوبة من الله، ذكر ابن القيم شروطًا للإيثَار المتعلِّق بالمخلوقين تنقله مِن حيِّز المنع أو الكراهة إلى حيِّز الإباحة وهي أن لا يضيع على المؤْثِر وقته وإفساد حاله ودينه فإذا توفَّرت هذه الشُّروط قد بلغ الإيثار كماله. ونختم بقول ابن القيم بأن أعلى درجات الإيثار هو إيثار رضا اَللَّه على رضا غيرهِ وإن أغضب الخلقُ، وإيثار حبِّه على حبِّ غيره، وإيثار خوفه ورجائه على خوف غيره ورجائه، وإيثار الذُّل والطلب والسؤال له عن غيره، وهي درجة الأنبياء وأعلاها للرُّسل عليهم صلوات الله وسلامه وأعلاها لأولي العزم منهم، وأعلاها لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم.