كم من نظرة قاسية توحي بأن البنات مجرد عبء وأنه (الابن وإلا فلا)، ولكن عندما يتقدم العمر بالإنسان ويرى بعض أولئك المحتفى بهم وما آلت إليه الآمال المعقودة عليهم يدرك كم يجيد بعضنا التوكل على غير الله والاحتفاء بالأوهام. لا شك أن هناك أبناء بررة يجعلون المرء يلهج بالشكر لله كلما رأى رقتهم وحنوهم وعطفهم، ولكن أيضاً كم من رجل عقه أبناؤه وبرته بناته، وكم من إنسان تفوقت بناته.هل تعرفون من أولاد أبي بكر من تفوق على ابنتيه: (عائشة الصديقة) أو (أسماء ذات النطاقين)؟ حدثني صديقي بمرارة وقد اشتعل رأسه شيباً عن ابنه الأكبر الذي يسكن الحي المجاور فقال: هل تصدق أن ابني لم يزرني منذ خمس سنوات؟ لو فكر المرء بمثل هذا العاق لما فرق بين الابن والبنت، ولما غضب أحدهم عندما عاتبه صاحبه لشرائه (فيلا) لولده متجاهلاً ابنته التي تسكن مع أبنائها وزوجها في بيت متواضع مستأجر قائلاً: أتريدني أن اشتري منزلاً ل(ابن الناس)؟ ألا يدرك هذا أن المستفيد الأكبر من بيت ابنه هي (بنت الناس) زوجة ابنه، بينما تعاني ابنته (فلذة كبده) وتتحسر كلما دخلت بيت أخيها ورأت( بنت الناس) تتمتع بمال أبيها وهي محرومة منه؟ كيف يستحل مثل هذا الرجل تصرفه ونبيه يقول عندما جاءه والد (النعمان بن بشير) لكي يشهده على منحة يريد منحها لابنه النعمان فقط دون اخوته وأخواته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكل ولدك أعطيته هذا؟ قال: لا. قال: أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى. قال: فإني لا أشهد "على جور" - مسلم 3- 1241). أين هذا السلوك مما يحدثنا به التابعي الثقة زياد بن حدير عن ابن عباس أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها - يعني الذكور - دخل الجنة - ابن أبي شيبة 5- 221). تعالوا نستمتع بإطلالات على الرفاه والنعيم تأخذنا إليه بناتنا فقط: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو - وضم عليه السلام أصابعه - مسلم 4- 2027). وتحدثنا عائشة فتقول: (جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أعتقها بها من النار - مسلم 4- 2027)، و(قال: من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار - البخاري 5- 2234) وتتحدث عائشة ثانية وكلها وفاء لفاطمة الزهراء فتقول: (كانت "فاطمة" إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها - الترمذي 5- 700صحيح) هذه هي سنّة نبينا تجاه البنات، فما ألطفه بهن وما أرقه وهو يقول: (لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات - أحمد 4- 151صحيح من رواية قتيبة).