يعتبر الشحن البحري محور الارتكاز في العالم لنقل كميات كبيرة من الحاويات والبضائع في (كرتنا الأرضية) بواسطة السفن التقليدية المستخدمة للوقود، وهو ما ينتج عنه انبعاثات ضارة بالبيئة وصلت إلى نسبة فاقت (15%) وهذه الانبعاثات تتمثل في (أكسيد النيتروجين، أكسيد الكبريت، ثاني أكسيد الكربون) والتي انعكس ضررها على الغلاف الجوي وعلى حياة الإنسان والحيوان والبيئة المائية والهوائية. ومن هنا التفت العالم إلى ضرورة وضع ضوابط صارمة تحافظ على البيئة وعلى سلامة كوكبنا وسلامة البشرية فأصبحت هناك أنظمة وقوانين للتحول نحو الطاقة الخضراء.. فما الطاقة الخضراء أو ما يطلق عليها أيضاً (الطاقة المتجددة). الطاقة الخضراء تتمثل في: الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، طاقة مساقط الأمطار، طاقة الغاز الأقل ضرراً في الانبعاثات. * مميزاتها وفوائدها: - طاقة مستمرة لا تنفذ ولا تنتهي وتكلفتها زهيدة جداً. - تحافظ على صحة الإنسان لأنه لا تصدر عنها أي ملوثات. - تساعد في زيادة المحاصيل الزراعية. - تخفض حجم النفايات والعوادم الناجمة عن استخدام الطاقة غير المتجددة. - إيقاف الاحتباس الحراري المسبب لكثير من الكوارث الطبيعية كذوبان الثلوج والتصحر وقلة الأمطار. ومما سبق وبناءً على أن ما نسبته (90%) من التجارة العالمية تنقل بحرياً وللحفاظ على البيئة أطلقت المنظمة البحرية العالمية (IMO) استراتيجية جديدة تستهدف خفض الانبعاثات الناتجة عن الشحن الدولي البحري إلى معدل (50%) على الأقل بحلول عام (2050م) فضلاً إلى تحسين كفاءة استخدام واستهلاك الطاقة الصديقة للبيئة. ومن هنا شهدت حركة صناعة السفن عالمياً تحولاً جذرياً في الفترة الراهنة صوب بناء سفن صديقة للبيئة بهدف تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتي كانت أحد أهم أسباب تعافي صناعة السفن بعد الركود الذي أصاب طلبيات البناء منذ الأزمة المالية العالمية التي اندلعت قبل أكثر من 10 سنوات. ووسط تحول السفن العالمية نحو الاستدامة للحفاظ على مقومات الاقتصاد الأزرق الذي يسهم بنحو 3.6 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي، بحسب إحصاءات البنك الدولي، ظهرت أنواع جديدة من السفن أكبر حجماً، لاسيما سفن الحاويات التي تصل حمولاتها 23 ألف حاوية قياسية في الوقت الراهن صديقة للبيئة تعمل على تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، إعمالاً بالإستراتيجية التي وضعتها المنظمة البحرية العالمية، وهذه النوعية رفعت الطلب على صناعة السفن الصديقة للبيئة بدرجة كبيرة. في 4 سبتمبر 2009م دشنت البحرية الأمريكية أول سفينة حربية صديقة للبيئة أطلق عليها (ماكين ايلاند) حيث أبحرت هذه السفينة من ميناء نورث آيلاند البحري في رحلة استغرقت (شهرين) مستخدمة الغاز المسال والكهرباء معاً، استطاعت خلالها توفير (900) ألف برميل من الوقود تقدر قيمتها بنحو مليوني دولار بفضل محركاتها الأولى من نوعها في العالم. وبالنسبة للسفن التجارية فقد حدثت طفرة غير مسبوقة في 24 أكتوبر عام 2020م عندما عبرت أكبر سفينة في العالم قناة السويس تعمل بالغاز الطبيعي والتابعة للخط الملاحي العالمي (CMA CGM) وهي السفينة (جاك سعادة) وهي واحدة من ضمن سلسلة تضم (9) سفن من نفس الطراز يتم بناؤها حالياً بترسانة (JIAGNAN) بالصين والتي يبلغ طول السفينة (جاك سعادة) 400 متر بحمولة (236) ألف طن وتستطيع حمل حتى (23) ألف حاوية مكافئة. والسؤال الآن ماهو مستقبل موانئ المنطقة بالنسبة للسفن الصديقة للبيئة؟ نعلم أن هذا النوع من السفن الصديقة للبيئة سيتم انتشاره خلال العقد القادم بشكل كبير وذلك تلبية للأهداف التشريعية للمنظمة البحرية الدولية (IMO) حيث وجد أن الغاز الطبيعي المسال هو أحد الحلول لأنه وقود أقل تلويثاً للبيئة ولا ينتج عند احتراقه أي (سخام) أو غبار أو دخان فهو يولد كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين مقارنة بزيت الوقود المستخدم حالياً لتموين السفن. حقيقة يمثل هذا التحول في صناعة السفن الصديقة للبيئة تحدياً كبيراً لموانئنا العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص من حيث ضرورة إنشاء البنى التحتية والتجهيزات لتوفير هذه الطاقة البديلة، لذلك النوع من السفن مواكبة لما ركزت عليه رؤية (2030م) فيما يتعلق بالعناية بالبيئة واستخدام الطاقة البديلة ومن هنا يمكن القول بأننا في المملكة نمتلك ولله الحمد هذا النوع من الطاقة الصديقة للبيئة ويمكننا أن نستحدث مركز تموين عالمي للسفن العابرة للبحر الأحمر والتي تقدر بنحو (13%) عالمياً و(35%) لسفن الحاويات العابرة للبحر الأحمر. المستقبل واعد لبلادنا في هذا المجال بحول الله سيما عندما تستخدم موانئنا كمنصة رئيسية لطريق الحرير البحري ولصادرات المملكة في الصناعات ومتطلبات السفن التي سترد للميناء طلباً للخدمات اللوجستية خاصة في مجال الطاقة الخضراء الصديقة للبيئة. __________ * الهيئة العامة للموانئ